أخبرنا (١) أبو الوقت السّجزي ، أنبأنا أبو صاعد الفضيلي ، أنبأنا أبو محمّد الشّريحي ، أنبأنا محمّد بن عقيل البلخي ، حدّثنا عباس الدّوري (٢) ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الأنباري قال : سمعت فضيل بن عياض قال :
لما قدم هارون الرشيد إلى مكة قعد في الحجر ، هو وولده وقوم معه من الهاشميين ، وبعثوا إلى المشايخ فأحضروهم عنده ، وبعثوا إلي فأردت أن لا أذهب ، واستشرت جارا لي فقال لي : يا أبا علي لا تفعل ، اذهب لعلّه إنّما يريد أن تحدّثه بشيء أو تعظه بشيء ، قال : فذهبت ، فجئت فدخلت المسجد ، فلمّا صرت إلى الحجر إذا هم قعود ، فقلت لأدناهم إليّ رجلا : أيهم أمير المؤمنين؟ فأشار لي إليه ، فأقبلت عليه ، فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، قال : فردّ علي ، وقال : اقعد ، ثم قال لي : أما إنّا ما دعوناك لشيء تكره ، ولكن حدّثنا بشيء ، عظنا ، قال : فأقبلت عليه ، فقلت له : يا حسن الوجه ، حساب الخلق كلهم عليك ، قال : فجعل يبكي ويشهق ، قال : فرددت عليه : يا حسن الوجه ، حساب الخلق كلّهم عليك ، قال : فجعل يبكي حتى جاء الخادم ، فحملوني فأخرجوني من الحجر ، وقالوا : اذهب بسلام (٣).
أخبرنا أبو المظفر بن القشيري ، أنبأنا سعيد بن محمّد البحيري ، أنبأنا أبو بكر محمّد ابن أحمد بن عبدوس ، حدّثنا أبو المثنّى معاذ بن المثنّى العنبري ـ أملى علينا ـ حدّثنا أبو بكر ابن عفان ، حدّثنا علي الطائفي ـ وكان من خيار الناس ـ قال :
قدم هارون أمير المؤمنين مكة قال : فبعث إلى سفيان بن عيينة بالليل قال : فأتاه سفيان ، فقال له هارون أمير المؤمنين : قم بنا إلى باب فضيل بن عياض ، فدق سفيان الباب ، فقيل : من هذا؟ قال : ابن عيينة ، قال : أدخل ، فقال ابن عيينة : أنا ومن معي؟ فقال : أنت ومن معك ، قال : فدخل سفيان وهارون أمير المؤمنين على فضيل بن عياض ، وقال هارون للخادم : لا تدخلن معنا ، فدخل سفيان فإذا فضيل مستقبل بوجهه القبلة ، فقال : يا أبا علي ، هذا هارون أمير المؤمنين قد دخل عليك ، قال : فمكث طويلا لا يلتفت إليه ولا ينظر إليه ، ثم رفع فضيل رأسه إلى هارون فقال له : يا حسن الوجه ما أحسن وجهك ، لقد قلّدت أمرا
__________________
(١) كتب فوقها بالأصل : ملحق.
(٢) من طريقه رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٨ / ٤٤١.
(٣) كتب فوقها بالأصل : إلى.