منه ما أبدى ، يبادر ما يفنى ، ويؤاكل ما يبقى ، يبادر الدنيا ، ويؤاكل التقوى.
أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله (١) ، نا عبد الله بن محمّد ، نا أحمد بن الحسين ، نا أحمد بن إبراهيم الدّورقي ، حدّثني يحيى بن معين ، نا الحجّاج بن محمّد ، أنا عبد الرّحمن المسعودي ، عن عون بن عبد الله أنه كان يقول في بكائه وذكر خطيئته :
ويحي بأي شيء لم أعص ربي ، ويحي إنّما عصيته بنعمته عندي ، ويحي من خطيئة ذهبت شهوتها وبقيت تبعتها عند ربي (٢) في كتاب كتبه كتّاب لم يغيبوا عني ، وا سوأتاه لم أستحيهم ولم أرقب (٣) ربي ، ويحي نسيت ما لم ينسوا مني ، ويحي غفلت ولم يغفلوا عني ، وا سوأتاه لم أستحيهم ولم أرقب (٤) ، ويحي حفظوا ما ضيعت مني ، طاوعت نفسي وهي لا تطاوعني ، ويحي طاوعتها فيما يضرها ويضرني ، ويحها لا تطاوعني فيما ينفعها وينفعني ، أريد صلاحها وتريد أن تفسدني ، ويحها إنّي لأنصفها وما تنصفني ، أدعوها لأرشدها وتدعوني لتغويني ، ويحها إنّها لعدو لو أنزلتها تلك المنزلة مني ، ويحها تريد اليوم [أن](٥) ترديني وغدا تخاصمني.
ربّ لا تسلطها على ذلك مني ، ربّ إنّ نفسي لم ترحمني فارحمني ، ربّ إنّي لأعذرها فلا عذرتني ، إنه إن يك (٦) خيرا أخذلها وتخذلني ، وإن يك شرا أحبها وتحبّني ، ربّ فعافني وعافها مني ، حتى لا أظلمها ولا تظلمني ، وأصلحني وأصلحها لي ، فلا أهلكها ولا تهلكني ، ولا تكلني إليها ولا تكلها إليّ.
ويحي كيف أفرّ من الموت وقد وكل بي ، ويحي كيف أنساه (٧) ولا ينساني ، ويحي إنّه يقصّ أثري ، فإن فررت لقيني ، وإن أقمت أدركني ، ويحي هل عسى أن يكون قد أظلني فمساني؟ أو صبّحني أو طرقني فبغتني.
ويحي أزعم أن خطيئتي قد أقرحت قلبي ، كيف ولا يجافي جنبي ، ولا تدمع عيني ولا يسهر ليلي. ويحي كيف أنام على مثلها ليلي ، ويحي هل ينام على مثلها مثلي ، ويحي لقد
__________________
(١) الخبر رواه مطولا أبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ٢٥٥ وما بعدها.
(٢) في الحلية : عندي.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الحلية : أراقب.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي الحلية : أراقب.
(٥) زيادة عن الحلية.
(٦) الأصل وم : يكون ، والمثبت عن الحلية.
(٧) الأصل : «إنسان» تصحيف ، والمثبت عن م والحلية.