خشيت أن لا يكون هذا الصدق مني؟ بل ويلي إن لم يرحمني ربي ، ويحي كيف توهن (١) قوتي ولا تعطش هامتي؟ بل ويلي إن لم ترحمني ربّي ، كيف لا أنشط (٢) فيما يطفئها عني؟ بل ويحي إن لم ترحمني ربّي.
ويحي كيف لا تذهب خطيئتي كسلي ، ولا يبعثها لما يذهبها عني ، بل ويلي إن لم يرحمني ربي ، ويحي كيف لا تنكأ قرحتي ما تكسب يدي ويح نفسي بل ويلي ، إن لم يرحمني ربّي ، ويلي لا تنهاني الأولى من خطيئتي عن الآخرة ، ولا تذكرني الآخرة من خطيئتي شر (٣) ما ركبت من الأولى ، فويلي ثم ويلي ، إن لم يتم عفو ربي ، ويحي لقد كان لي فيما استوعبت من لساني وسمعي [وقلبي](٤) وبصري اشتغال ، فويل لي إن لم يرحمني ربي ، ويحي إن حجبت (٥) يوم القيامة عن ربي ، فلم يزكني ولم ينظر إليّ ، ولم يكلمني ، وأعوذ بنور وجه ربي من خطيئتي ، وأعوذ به أن أعطى كتابي بشمالي ، أو وراء ظهري ، فيسودّ به وجهي ، وتزرق (٦) به مع العمى عيني ، بل ويل لي إن لم يرحمني ربي ، ويحي بأي شيء استقبل ربي بلساني؟ أم بيدي؟ أم بسمعي؟ أم بقلبي؟ أم ببصري؟ ففي كلّ هذا له الحجة والطلبة عندي ، فويل لي إن لم يرحمني ربي ، كيف لا يشغلني ذكر خطيئتي عما لا يعنيني؟ ويحك يا نفس ما لك لا تنسين ما لا ينسى؟ وقد أتيت ما لا يؤتى ، وكل ذلك عند ربك محصى في كتاب لا يبيد ولا يبلى ، ويحك لا تخافين أن تجزي فيمن يجزى يوم تجزى كلّ نفس بما تسعى ، وقد آثرت ما يفنى على ما يبقى.
ويا نفس ويحك ألا تستفيقين مما أنت فيه؟ إن شفيت (٧) تندمين ، وإن صححت تأثمين ، ما لك إن افتقرت تحزنين ، وإن استغنيت تفتتنين ، ما لك إن نشطت تزهدين وإن رغبت (٨) تكسلين ؛ أراك ترغبين (٩) قبل أن تنصبي ، فلم لا تنصبين فيما ترغبين؟
يا نفس ويحك لم تخالفين؟ تقولين في الدنيا قول الزاهدين وتعملين عمل الراغبين. ويحك لم تكرهين الموت؟ ثم لا تذعنين وتحبين الحياة ، لم لا تصنعين.
يا نفس ويحك أترضين (١٠) أن يرضى ولا تراضين ، وتجانبين وتعصبين ما لك إن سألت
__________________
(١) في الحلية : كيف لا توهن قوتي.
(٢) كذا بالأصل وم : «أشط» والمثبت عن حلية الأولياء.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الحلية : بسوء.
(٤) الزيادة عن الحلية.
(٥) الأصل : «حجبته» والمثبت عن م والحلية.
(٦) تقرأ بالأصل وم : ويرزق ، والتصويب عن الحلية.
(٧) كذا بالأصل وم : «شفيت» وفي الحلية : «سقمت».
(٨) في الحلية : «دعيت» وهو أشبه.
(٩) الأصل وم : «تركتي» والمثبت عن الحلية.
(١٠) الحلية : أترجين.