يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأيسر من عمله ، يبصر العورة من غيره ، ويغفلها من نفسه ، يلين ليحسب عنده أمانة فهو يرصدها الخيانة ، يستعجل بالسيئة وهو في الحسنة [بطىء](١) ، خفف عليه الشعر ، وثقل عليه الذكر ، فاللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء ، تعجل النوم ويؤخر الصوم ، فلا يبيت قائما ولا يصبح صائما ، يصبح وهمه التصبح من النوم ولم يسهر ، ويمشي وهمه العشاء وهو مفطر ، إن صلى اعترض ، وإن ركع ربض ، وإن سجد نقر ، وإن جلس شغر ، وإن سأل ألحف ، وإن سئل سوّف ، وإن حدّث حلف ، وإن حلف حنث ، وإن وعظ كلح ، وإن مدح فرح ، طلبه شرّ ، وتركه وزر ، ليس له في نفسه عن عيب الناس شغل ، وليس لها في الإحسان فضل ـ يميل لها ويحب لها ، منهم العدل ، يرى له في العدل سعة ، ويرى عليه فيه منغصة ، أهل الخيانة له بطانة ، وأهل الأمانة له عداوة ، ثم يعجب من أن يفشو سره ، ولا يشعر من أين حاضرة ، إن سلم لم يسمع ، وإن أسمع لم يرجع ، ينظر نظر الحسود ، ويعرض إعراض الحقود ، يسخر بالمقتر ، ويأكل المدبر ، ويرضى الشاهد ويسخط الغائب بما لا يعلم فيه ، من اشتهى زكّي ومن كره ... (٢) جريء على الخيانة وبريء من الأمانة ، من أحب كذب (٣) ، ومن أبغض خلب ، يضحك من غير عجب ، ويمشي إلى غير أرب. لا يرجو (٤) منه من جانب ، ولا يسلم منه من صاحب ، إن حدثته ملك ، وإن حدثته غمك ، وإن سؤته (٥) سرك ، وإن سررته ضرك ، وإن فارقك أكلك ، وإن باطنته فجعك ، وإن باعدته (٦) بهتك ، وإن وافقته حسدك ، وإن خالفته مقتك ، يحسد أن يفضل ، ويزهد أن يفضل ، يحسد من فضله ، ويزهد أن يعمل عمله ، ويعجز عن مكافأة من يحسن إليه ، ويفرط فيمن بغى عليه ، له الفضل في السر ، وعليه الفضل في الأجر ، فيصبح صاحبه في أجر ويصبح منه في وزر ، إن فيض في الخير كرم يعني سكت وضعف واستسلم وقال : الصمت حكم ، وهذا ما ليس له به علم ، وإن أفيض في الشر قال : يحسب بك غي ، فتكلم ، يجمع بين الأروى والنعام ، وبين الخال والعم والأم. ما لا يتلاءم له ، لا ينصت فيسلم ، ولا يتكلم بما يعلم ، يخاف زعم أن يتهم وبهته إن أتكلم ، يغلب لسانه قلبه ، ولا بضبط قلبه قوله ، يتعلم للمراء ويتفقه الرياء ، ويكن الكبرياء فيظهر منه ما أخفى ، ولا يخفى
__________________
(١) زيادة عن حلية الأولياء.
(٢) كلمة غير واضحة بالأصل وم.
(٣) الأصل وم : كرب ، والمثبت عن حلية الأولياء.
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي الحلية : ينجو.
(٥) الأصل وم : شربه ، والمثبت عن الحلية.
(٦) في الحلية : تابعته.