لقد ثارت المشكلات في وجه داود وهو في ذروة قوته ، إلّا إنها تفاقمت في آخر أيامه ، وخصوصا بشأن الوراثة. فبعد مقتل ابنه الأكبر ، أمنون ، احتل مكانه أبشالوم (ابن معخا ، ابنة تلمي ملك جشور). إلّا إن أبشالوم ثار على والده ، واضطره إلى الهروب والاحتماء عند العمونيين. وبعد فشل التمرد ومقتل أبشالوم ، دار الصراع في البلاط ، بين أنصار سليمان ، بقيادة والدته ، بات شيبع (اليبوسية) ، وأنصار الابن الأكبر سنّا ، أدونياهو ، (ابن حجّيت). وتغلب سليمان ، وأوصى داود له بالملك. وعندما تولى العرش ، قتل أخاه وأنصاره المقربين ، ليضمن استتباب الملك له (٩٦٥ ـ ٩٢٨ ق. م.).
بالكثير من التبرير تقدم الرواية التوراتية سليمان كملك فوق العادة ، يتميّز بالحكمة ، ويتصف بحب العدل والسلام ، ويعمل على توطيد أركان مملكته وترتيب أوضاعها ، ويسعى لدمج القبائل الإسرائيلية في وحدة سياسية ، ويحاول نسج علاقات خارجية حميمة مع جيرانه. غير أن الواقع ، كما يظهر من خلال التطورات التاريخية ، يشير إلى غير ذلك. فما لبث أن مات ، حتى انقسمت مملكته إلى شطرين : شمالي ، وهو الأكبر ، ويضم أغلبية القبائل ، ويدعى «إسرائيل» ؛ وجنوبي ، يدعى «يهودا» ، ويضم بالأصل سبطي يهودا وبنيامين. وهذا يدل على أن سليمان فشل في توحيد القبائل الإسرائيلية حول ملكه في أورشليم ، سياسيا ودينيا.
وورث سليمان عن داود مملكة واسعة نسبيا ، تأسست على الحرب ، وضمت مناطق جغرافية متعددة ، وعناصر إثنية كثيرة ، وبالتالي فقد انطوت على أزمة مستمرة ، داخليا وخارجيا. في حينه ، استفاد داود من عاملين أساسيين ، تضافرا ليتيحا له فرصة السيطرة على أراض واسعة : الأول ذاتي ، وهو بناء قوة عسكرية مقاتلة ؛ والثاني موضوعي ، وهو الفراغ السياسي الذي عمل فيه ، نتيجة انكماش نفوذ الإمبراطوريات الكبيرة في الشرق الأدنى القديم ، وعزوفها عن التدخل في فلسطين لاهتمامها بمشكلاتها الداخلية. والإيجابيات التي قدمها هذان العاملان ، سرعان ما انقلبت إلى سلبيات. فاستمرار الحرب رفع حدة التوتر الداخلي والتذمر القبلي ، وإخضاع الشعوب المجاورة صعّد من مقاومتها لهذا التسلط. وكان على سليمان أن يواجه النتائج.
وفي الواقع ، ليست هناك مصادر خارجية تدعم الرواية التوراتية عن إنجازات سليمان ، فالمعلومات الأثرية تعطي انطباعا أنها كانت أكثر تواضعا من الذي تضفيه عليها الصيغة التوراتية. ويلفت الانتباه خلوّ المصادر المعروفة من مصر والعراق وسورية من أي ذكر لملكي إسرائيل ، داود وسليمان. ومع ذلك فمن المنطقي الأخذ