في تونس ،
والأمويين في الأندلس ، توجه الفاطميون شرقا. وبقيادة جوهر الصقلي (الرومي) ، دخل
جيش المعزّ الفسطاط ، وبادر مباشرة إلى تخطيط مدينة جديدة في جوارها هي قاهرة
المعز (٩٦٩ م) التي أصبحت عاصمة الفاطميين (٩٧٣ م). وبانتقال المعزّ إلى مصر ،
أصبح الفاطميون جزءا من الصراع في الشرق ، وبالتالي أصبح الاستيلاء على بلاد الشام
، وبداية على فلسطين ، ركنا من استراتيجية عملهم لانتزاع الخلافة من أيدي
العباسيين ، وتحقيق هدفهم المعلن بحقهم المطلق بالخلافة ، كونهم من نسل فاطمة ،
ابنة الرسول (ص).
وفي الواقع ، فإن
الفاطميين لم يتأخروا كثيرا في غزو فلسطين بعد انتزاعهم مصر من أيدي الإخشيديين ،
كخطوة أولى في الطريق إلى بغداد ـ مقر الخلافة العباسية المنافسة ، ولو اسميا. ولم
يجد جعفر بن فلاح ، قائد الحملة الفاطمية على بلاد الشام ، أيام المعز لدين الله ،
صعوبة كبيرة في إلحاق الهزيمة بعامل الإخشيديين على فلسطين ، في معركة قرب الرملة (٩٦٩
م). وتوجّه بعد ذلك إلى طبرية ـ عاصمة جند الأردن ـ فدخلها صلحا. ومن هناك ، تابع
مسيرته إلى دمشق ، التي كان وجهاؤها قد جاؤوا جعفر في طبرية لعقد الصلح معه ،
فأساء معاملتهم ، الأمر الذي دعاهم إلى المقاومة ، ولكن من دون جدوى. ووقعت دمشق
في يده ، وأقيمت الخطبة فيها للمعز في العام نفسه. وتجدر الإشارة إلى أن العوامل
التي سهلت على الفاطميين فتح بلاد الشام ، هي نفسها التي حالت دون استقرار حكمهم
فيها.
فحالة التفتت التي
سادت بلاد الشام عشية الحملة الفاطمية ، والصراعات بين القوى المحلية ـ الحمدانيين
والإخشيديين والقرامطة والقبائل العربية المحلية الأخرى ـ في غياب قوة مركزية
واحدة ، سهلت على الفاطميين احتلال البلاد عسكريا ، ولكنها في الوقت نفسه أثقلت
عليهم ضبط الأوضاع فيها وإحكام السيطرة عليها. لقد كان القضاء على الإخشيديين
سهلا. والحمدانيون الذين حشروا بين الفاطميين والبيزنطيين ، كانوا في وضع صعب
نتيجة النشاط العسكري البيزنطي ، مع أن ميولهم كانت فاطمية ، إذ كانوا من الشيعة
أيضا. أمّا العامل الأخطر ، فكان تحالف القبائل العربية المحلية مع القرامطة ،
الذين عادوا إلى التمرد ومقاتلة الفاطميين ، المرة تلو الأخرى ، الأمر الذي فتح
الباب على مصراعيه أمام الإمبراطور البيزنطي ، تسيمسكس للتوغل عميقا في بلاد الشام
، وصولا إلى بيسان بعد دمشق (٩٧٥ م).
ففي السنوات
الأولى من حكم الفاطميين (٩٧١ م) ، استطاع القرامطة ، بقيادة الحسن الأعصم ، إلحاق
الهزيمة بجيش الفاطميين ، وقتل قائده ، جعفر بن فلاح. وكان ذلك بالقرب من دمشق ،
فسقطت في أيديهم. وطارد الأعصم جيش الفاطميين ،