إسرائيل ، وتقدم في أراضيها إلى حدود يهودا ، فسارع ملكها يوأش إلى دفع الجزية إلى حزئيل ، وذلك لثنيه عن دخول مملكته. وأخذت الأموال من خزينة الهيكل ، الأمر الذي أثار الكهنة عليه ، بعد أن كانوا أوصلوه إلى الملك عقب مقتل عتاليا. واغتيل الملك ، وبدأ عصر من عدم الاستقرار ، تبعه آخر من الانحطاط. وفي هذه الأثناء نجت إسرائيل ويهودا من الوقوع في أيدي ملوك دمشق ، بفضل التدخل الأشوري لمصلحتهما. ففي سنة ٨٠٦ ق. م. ، قام الملك أداد نيراري الثالث (٨١٠ ـ ٧٨٣ ق. م.) بحملة على بلاد الشام ، اصطدم فيها بداية بجيوش الأراميين ، فهزمها وأضعف دمشق كثيرا. وقد رأى فيه ملكا يهودا وإسرائيل مخلصا ، وعادت المملكتان إلى الانتعاش الموقت ، وحتى إلى الصراع بينهما.
وبصعود تغلات بلّيسر (٧٤٥ ـ ٧٢٧ ق. م.) إلى عرش أشور ، بدأت مرحلة جديدة من تنظيم الإمبراطورية ، يقوم على أساس تقسيمها إلى ولايات أشورية ، وبذلك تنتفي الحاجة إلى الحملات السنوية لإخضاع شعوبها. أمّا الشعوب المتمردة فقد عمد إلى إجلائها الجماعي عن بلادها. وانتهز تغلات بلّيسر فرصة طلب المساعدة من ملك يهودا ، أحاز ، في مواجهة تحالف ملك دمشق ، رازين ، وملك إسرائيل ، بيكح ، ضده لامتناعه من الانضمام إليهما في مقاومة الأشوريين. فقام تغلات بلّيسر بحملتين على بلاد الشام (٧٣٣ و ٧٣٢ ق. م.) أخضع فيهما هذه البلاد وقسمها إلى ولايات وأقام عليها حكاما في دور ومجدّو وجلعاد وقرنايم وحورون ودمشق. وترك يهودا مملكة تابعة ، وكذلك إسرائيل. وبعد موت تغلات بلّيسر ، ثارت إسرائيل على حكم أشور ، فحاصر عاصمتها شلمنصّر الرابع ، وسقطت في يد خلفه سرجون الثاني ، سنة ٧٢١ ق. م. ، وأصبحت مملكة إسرائيل السابقة ولاية السامرة الأشورية.
وبينما خربت إسرائيل ، وأجلي جزء كبير من سكانها ، وحل محلهم قوم آخرون ، بقيت يهودا مملكة مقزمة لمدة ١٣٤ عاما. وعندما حاولت استغلال التناقض بين مصر وأشور قام سنحاريب بحملد تأديبية سنة ٧٠١ ق. م. ، واحتل يافا ويازور وبيت دجون وعسقلان ، وهزم الجيش المصري الذي وصل لتقديم المساعدة. واستكمل سرجون حملته باحتلال عقرون ولاخيش ، وفرض الحصار على أورشليم ، لكنها لم تسقط في يده. وبقيت يهودا مملكة صغيرة ، تابعة لأشور ، أسوة ببقية الولايات في بلاد الشام ، إلى أن سقطت في يد نبوخذ نصّر سنة ٥٨٧ ق. م.
وفي النصف الأول من القرن السابع قبل الميلاد ، بلغت أشور ذروة قوتها ، واحتل أسرحدّون مصر ، وأخضعها لحكمه سنة ٦٧١ ق. م. أمّا في النصف الثاني من ذلك القرن ، فقد راحت قوتها تتراجع. بينما بدأ اهتمام المصريين بغرب آسيا يتزايد.