من موقع القوة ، استطاع بن هداد الأول ، ملك دمشق الأرامي ، انتزاع مناطق واسعة من مملكتي إسرائيل ويهودا ، وخصوصا في شرقي الأردن وشمال فلسطين. ومرة أخرى وقع انقلاب في بلاط بعشا بعد موته ، وانتقل الملك إلى قائد جيشه عمري (٨٨١ ـ ٨٧٣ ق. م.) ، الذي أسس سلالة جديدة هي الثالثة في إسرائيل ، بينما سلالة داود استمرت في الحكم في يهودا. واستطاع عمري أن يثبّت أركان حكمه ، فبنى عاصمة جديدة له ـ هي السامرة. وإزاء ضغط الأراميين المتعاظم ، عمد عمري إلى عقد اتفاقات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية مع إتبعل ، ملك صيدا (الفينيقي) ، الأمر الذي عاد عليه بفوائد جمّة. وكذلك ، توجه نحو تحسين علاقاته مع مملكة يهودا. وبذلك أدخل عمري مملكته في مرحلة من الازدهار ، جعلتها قوة مهمة في بلاد الشام ، كما يبرز ذلك لاحقا ، في تحالف هذه الممالك جميعا ضد أشور.
والوثائق الأشورية تشير إلى ملوك إسرائيل باسم «بيت حمري» ، وحتى لأولئك الذين لم يكونوا من سلالته. وكما قطف سليمان ثمار جهد داود ، هكذا فعل آحاب (٨٧٤ ـ ٨٥٣ ق. م.) بعد عمري ، على الرغم من تباين الأوضاع ، إذ كانت أشور في هذه الفترة تعاود نشاطها التوسعي بوتيرة عالية. ووطد آحاب علاقاته مع الفينيقيين ، وتزوّج إيزابيل ، ابنة إتبعل ، ملك صيدا. وإذ قوّى ذلك موقعه السياسي الإقليمي ، فإنه خلق له مشكلات داخلية ، تمثلت بالمعارضة الشعبية للعادات والتقاليد التي جلبتها إيزابيل معها ، ونشرتها في البلاط ، كما في أوساط الارستقراطية المدنية والعسكرية. وكما فعل سليمان في أورشليم ، هكذا نشط آحاب في توسيع عاصمته السامرة ، وتزيينها وتحصينها.
والمشاريع العمرانية في عاصمة آحاب ، والتحصينات الضخمة على حدود مملكته ، تشير إلى الازدهار الاقتصادي في إسرائيل في أيامه. وكان ذلك نتيجة العلاقات التجارية مع المدن الفينيقية من جهة ، ومع يهودا ، من جهة أخرى ، إذ بعد موت آسا تحسنت علاقات آحاب مع ابنه ووارثه يهوشافاط. ولتكريس التعاون بينهما ، زوج آحاب ابنته عتاليا (ابنة إيزابيل) ، إلى يهورام ابن يهوشافاط ، فحملت معها العادات والتقاليد والعبادات الفينيقية إلى أورشليم ، الأمر الذي أثار ردات فعل سلبية فيها. ولكن الأهم هو توتر العلاقة مع أرام دمشق ، أيام بن هداد الثاني ، جرّاء التقارب بين يهودا وإسرائيل. وسارع بن هداد إلى مهاجمة آحاب ، ووصل إلى عاصمته ، وحاصرها ، لكنه لم يحتلها. وخلال فترة قصيرة ، دخل هؤلاء جميعا في تحالف لمواجهة أشور.
ويبدو أن بن هداد عاد إلى دمشق ليواجه خطر الأشوريين الآتي من الشرق.