الحجّاج بالشعبي قال : أجدب بنا الجناب ، وأحزن بنا المنزل ، واكتحلنا السّهر ، واستحلسنا الخوف ، وأصبتنا خزية لم نكن فيها بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء ، قال : لله أبوك (١).
أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن البنّا ـ فيما قرأت عليه ـ عن أبي محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد (٢) قال : قال أصحابنا : كان الشعبي فيمن خرج مع القراء على الحجّاج وشهد دير الجماجم (٣) ، وكان فيمن أفلت فاختفى زمانا ، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلّم فيه الحجّاج فأرسل إليه : إنّي والله ما أجترئ على ذلك ، ولكن تحيّن جلوسه للعامة ثم ادخل عليه حتى تمثل بين يديه وتكلّم بعذرك وأقرّ بذنبك واستشهدني على ما أحببت أشهد لك ، قال : ففعل الشعبي ، فلم يشعر الحجّاج إلّا وهو قائم بين يديه قال له : أشعبي ، قال : نعم أصلح الله الأمير (٤) ، قال : ألم آمر أن تؤمّ قومك ولا يؤم مثلك؟ قال : بلى ، أصلح الله الأمير ، قال : ألم أعرّفك على قومك ولا يعرّف مثلك؟ قال : بلى ، أصلح الله الأمير ، قال : ألم أوفدك على أمير المؤمنين ولا يوفد مثلك؟ قال : بلى ، أصلح الله الأمير ، قال : فما أخرجك مع عبد الرّحمن؟ قال : أصلح الله الأمير خبطتنا فتنة فما كنا فيها بأبرار أتقياء ، ولا فجار أقوياء ، وقد كتبت إلى يزيد بن أبي مسلم أعلمه ندامتي على ما فرط مني ومعرفتي بالحق الذي خرجت منه ، وسألته أن يخبر بذلك الأمير ويأخذ لي منه أمانا فلم يفعل ، فالتفت الحجّاج إلى يزيد فقال : أكذلك يا يزيد؟ قال : نعم ، أصلح الله الأمير ، قال : فما منعك أن تخبرني بكتابه؟ قال : الشغل الذي كان فيه الأمير ، فقال الحجّاج : أول ، انصرف ، فانصرف الشعبي إلى منزله آمنا.
أنبأنا أبو طالب عبد القادر بن محمّد بن يوسف ، أنا إبراهيم.
__________________
(١) بعدها في م العبارة التالية :
آخر الجزء الرابع بعد الثلاثمائة ، وهو آخر الثلاثين بعد المائتين.
(٢) الخبر في طبقات ابن سعد ٦ / ٢٤٩.
(٣) موضع بظاهر الكوفة.
(٤) بعدها في م : قال : ألم أقدم البلد وعطاؤك كذا وكذا فزدتك في عطائك ولا يزاد مثلك؟ قال : بلى أصلح الله الأمير.
وانظر ابن سعد ٩ / ٢٤٩.