الأمير فقل كذا وقل كذا ، قال : فسكتّ عنه ، ثم دخلت على الحجّاج ، فلما رآني قال : لا مرحبا ولا أهلا يا شعبي الخبيث ، جئتني ولست في الشرف من قومك ولا عريفا ولا منكبا ، فألحقتك بالشرف وجعلتك عريفا على الشعبيين ومنكبا على جميع همدان ، ثم خرجت مع عبد الرحمن تحرّض عليّ قال : وأنا ساكت لا أجيبه ، قال : فقال لي : تكلم ، قال : قلت : أصلح الله الأمير ، كلّما ذكرت من فعلك (١) فهو على ما ذكرت ، وكلما ذكرت من خروجي مع عبد الرّحمن فهو كما ذكرت ، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السّهر (٢) وتحلّسنا الخوف ، ولم تكن مع ذلك بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء فهذا وإن حقنت لي دمي واستقبلت بي التوبة ، قال : قد حقنت دمك واستقبلت بك التوبة ، قال : فقال ابن أبي مسلم : الشعبيّ كان أعلم بي مني حيث لم يقبل مني الذي قلت له.
قال : ونا المعافى (٣) ، نا محمّد بن جعفر ، وحمزة بن الحسين ، قالا : نا أحمد بن منصور ، قال : سمعت الأصمعي يقول : حدّثني عثمان الشحام قال :
لما أتي الحجّاج بالشعبي عاتبه فقال له الشعبي : أصلح الله الأمير أجدب بنا الجناب ، وأحزن بنا المنزل ، واستحلسنا الخوف ، واكتحلنا السهر ، وأصابتنا خزية لم تكن فيها بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء ، قال : لله أبوك (٤) يا شعبي.
قال القاضي أبو الفرج : والذي ذكر في هذا الخبر على ما في هذه الرواية التي بدأنا بها ذكر الفريضة (٥) التي سأل الحجّاج الشعبي عنها فأجابه ، وذكر أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم اختلفوا فيها على خمسة أقوال ، فهذا على ما ذكره ، وهذه فريضة من فرائض الجدّ معروفة يسميها الفرضيون الخرقاء (٦) ، وأصول الصحابة فيها مختلفة ، فمنهم من ينزل الجدّ منزلة الأب الأدنى ولا يورث الإخوة والأخوات معه ، ومنهم من يعطي الأخوات من الأب والأم أو من الأب [فرائضهن ويورث الجدّ بعد ما يستحقه ،
__________________
(١) الجليس الصالح : فضلك.
(٢) تقرأ بالأصل وم : «الشهر» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٣) الخبر في الجليس الصالح الكافي للمعافى بن زكريا القاضي الجريري ١ / ٢٨٨.
(٤) في الجليس الصالح : لله درّك يا شعبي.
(٥) انظر الخبر بطوله في الجليس الصالح الكافي ١ / ٢٨١ وما بعدها.
(٦) بالأصل : «الخوفا خطأ ، والصواب عن م والجليس الصالح.
وقيل إنها سميت بالخرقاء لتخرق أقوال الصحابة فيها ، أو لأن الأقاويل خرقتها لكثرتها ، وقيل غير ذلك.