قال : فتكلم معاوية فقال : يا أبا الأسود أغرقت في النزع ، ولم تدع رجعة لصلحك ، وقال عمرو (١) فلم يغرق كما أغرقت ، ولم يبلغ ما بلغت ، غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء ، والبادي أظلم ، والثالث أحلم ، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره ، وقوما غير مطرودين ، فقام عمرو وهو يقول :
لعمري لقد أعيا القرون التي مضت |
|
[تحوّل] (٢) غش في الفؤاد كمين |
وقال أبو الأسود وهو يقول :
ألا إن عمرا رام ليث خفية |
|
وكيف ينال الذنب ليث عرين؟ |
فانصرفا إلى منازلهما ، وذاع حديثهما في البلاد ، فبينا أبو الأسود في بعض الطريق لقيه شاب من كلب ، يقال له : كليب بن مالك ، شديد البغض لعلي وأصحابه ، شديد الحبّ لمعاوية وأصحابه ، فقال له : يا أبا الأسود أنت المنازع عمرا (٣) ، أمس بين يدي أمير المؤمنين ، أم والله لو شهدتك لأغرقت جبينك ، فقال أبو الأسود : من أنت يا ابن أخي الذي بلغ بك خطرك كل هذا ، وممن أنت؟ قال : أنا ممن لا ينكر ، أنا امرؤ من قضاعة ثم من كلب ، ثم أنا كليب بن مالك ، فقال أبو الأسود : أراك كلبا من كلب ، ولا أرى للكلب شيئا إذا هو نبح أفضل من أن يقطع بأخسأ ، فاخسأ ثم اخسأ كلبا ، فانصرف وخلاه ، فبلغ ذلك القول معاوية ، فأكثر التعجب والضحك ، ثم إنهما اجتمعا بعد ذلك عنده فقال معاوية للكلبي : يا أخا كلب ، ما كان أغناك عن منازعة أبي الأسود؟ فقال الكلبي : ولم لا أنازعه ، والله لأنا أكبر نفيرا ، وأعز عشيرا ، وأطلق لسانا وإن شاء لأنافرنه بين يديك ، فقال معاوية : والله يا أخا كلب ما صدقت في واحدة من الثلاث ، فقال أبو الأسود : والله لو لا هذا الجالس ـ يعني يزيد بن معاوية ـ فإنكم أخواله ، لقطعت عني لسانك ، فقال يزيد : يا أبا الأسود قل فأعمامي أحبّ إليّ من أخوالي ، فقال أبو الأسود : مثل هذا يا أمير المؤمنين بمن ينافرني بحمير أو بمعدّ؟
أخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب ، أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب الضّبّي ، نا إبراهيم بن
__________________
(١) كذا ، ولعله : وقال لعمرو.
(٢) زيادة لاستقامة الوزن عن مختصر ابن منظور ١١ / ٢٢٤.
(٣) بالأصل : عمروا.