تجدر الإشارة إلى أن دولتشين لم يكن يعرف حاجات المسلمين البسطاء القاطنين في أراضي روسيا وحسب. فإن مضمون يومياته يدل على انه كان يعرف أيضا عددا من الشخصيات الإسلامية العائشة في روسيا. ومن معارفه ، الشخصية المحافظة نوعا ما ، حميد الله آخون ، الذي كان يتمتع بجزيل الاحترام بين المسلمين القاطنين في بطرسبورغ ؛ وعطا لله بايازيدوف ، المذكور سابقا ، مؤلف جملة من المطبوعات تشكل بمجملها بيانا فريدا لمسلمي روسيا الذين يشاطرون الأفكار الإصلاحية. ويذكر دولتشين بين معارفه القريبين كبار أصحاب مصانع النسيج التتر من عائلتي اكتشورين ودبردييف ، الذين تبرعوا بمبالغ كبيرة لتلبية الحاجات الدينية ولعبوا دورا ملحوظا في حياة روسيا السياسية ؛ والدكتور دالغات الذي خدم في سنة ١٨٩٩ لدى القنصلية الروسية في جدّة ، والذي صار فيما بعد شخصية إسلامية هامة تقدمية الاتجاه ، واشترك في مؤتمر مسلمي روسيا الذي انعقد في بطرسبورغ في حزيران (يونيو) ١٩١٤.
في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي التي مضى دولتشين إلى مكة بتكليف منها ، كان يوجد تقليد علمي جدي. فقد كانت دراسة بلدان الشرق الأدنى تحظى باهتمام كبير. إن ازدهار النشاط العلمي المتعلق بقيام الضباط الروس بوصف مختلف مناطق الامبراطورية العثمانية كان يرتبط باسم الشخصية العسكرية ورجل الدولة البارز الليبيرالي الاتجاه ن. ن. أوبروتشيف (١٨٣٠ ـ ١٩٠٤) الذي عيّن في سنة ١٨٨١ رئيسا لهيئة الاركان العامة. وبمبادرته شرعت اللجنة العسكرية العلمية لدى هيئة الاركان العامة بإصدار «مجموعات المواد الجغرافية والطوبوغرافية والاحصائية عن آسيا». ونحو بداية الحرب العالمية الأولى صدرت ٨٧ من هذه المجموعات ٨ منها (٤ ، ١١ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٤٩ ، ٦٢ ، ٦٦ ، ٨٤) مكرسة للشرق الأدنى (١).
__________________
(١) لمزيد من التفصيل راجع ب. م. دانتسيغ. دراسة الشرق الأدنى في روسيا.
موسكو ، ١٩٦٨ ، ١٤٩ ـ ١٥١.