أن الابتداء كما عمل في الاسم ، عمل في الخبر ؛ لأن كل ما كان عاملا في الأول من هذا النحو ، عمل في
الثاني ، ألا ترى أن قولك : ظننت زيدا قائما ؛ لما نصب (ظننت) الأول نصب الثاني.
وكذلك : إن
زيدا قائم ؛ لما عمل (إن) في الأول عمل في الثاني ، وكذلك : كان زيد قائما ؛ لما
عمل (كان) في الأول ، عمل في الثاني.
فكذا هاهنا.
فأما قولهم :
لم يضرب زيد ؛ ف (لم) ليست من عوامل الأسماء ؛ وإنما هي من عوامل الأفعال ، وكان
قبل دخولها (يضرب زيد) ؛ فعل وفاعل ، عمل الأول في الثاني ، فدخلت (لم) في الفعل ،
وأدى ما اقتضاه فليس هو مما نحن فيه بشيء.
قال المبرد :
لو كان العامل الابتداء ، لم يجز أن يدخل عليه عامل آخر ألا ترى أن (ظننت) لما كان
عاملا ، لم يدخل عليه عامل آخر.
قلت : هذا لا
يصح من أبي العباس ؛ لأنه سلم أن الابتداء عامل ، ولا يصح من غيره أيضا ؛ لأنا
ذكرنا أن الابتداء عامل معنوي. فاذا جاء عامل لفظي تسلط عليه وكانت الغلبة له
فاعرفه .
وكتاب (الجواهر)
لجامع العلوم ، وقد بناه على قواعد كلية في تسعين بابا ، كما يقول هو : ((أخرجتها
من التنزيل بعد فكر وتأمل ، وطول الإقامة على درسه)) ، تزدحم فيه أقوال النحويين وآراؤهم ، وتعظم عنده
الفائدة ؛ إذ لا أظنك وقد سرحت نظرك في هذا الكتاب إلا أتممته ؛ لما يأخذك به من
سحر نقاشه وجمال عبارته ، وطريف أسراره.
وها أنا أنقل
من الباب الحادي والعشرين ، طرفا من ذلك .
قال جامع
العلوم : ((هذا باب ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على
الخلاف د ، وما يرتفع ما بعدهن بهن على الاتفاق ، وهو باب يغفل عنه كثير من الناس)).
فأما الذي
اختلفوا فيه ، فكقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ) ، : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ).
ف (عذاب) في
هذا ونحوه ، يرتفع بالابتداء عند سيبويه.
والظرف قبله
خبر عنه ، وهو (لهم).
وعند أبي الحسن
والكسائي : يرتفع (عذاب) بقوله : (لهم) لأن (لهم) ناب عن الفعل.
ألا ترى أن
التقدير : وثبت لهم. فحذف (ثبت) وقام (لهم) مقامه ، والعمل للظرف لا للفعل.
ومثله : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ). وهو على هذا الخلاف ، وغلط أبو إسحاق في هذا ، فقال :
__________________