[قال أبو الفتح] : فإن اتصل به حرف جر ، أو ظرف ، أو مصدر ، جاز أن تقيم كل واحد منها على انفراده ، مقام الفاعل. تقول : سرت بزيد فرسخين يومين سيرا شديدا. إنما قال ذلك ، لأن الفعل يدل على ثلاثة أشياء : يدل على المصدر ، من جهة اللفظ ، ويدل على الزمان ، من جهة الصيغة ، ويدل على المكان من جهة المعنى. ولما كان كذلك اشترك المصدر ، وظرفا الزمان ، والمكان في قيام كل واحد منهما مقام الفاعل. والجار ، والمجرور بمنزلة الظرف ، لأن الظرف أيضا في الحقيقة ، جار ومجرور. وإنما قال : سيرا شديدا ، ولم يقل : سيرا ، لأنه ، لو قيل : سير سير ، لم يكن في ذكر سير فائدة لم تحصل بقولك : سير. قال الله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١٣) (١) فقيده بواحدة ، لما ذكرنا ، وهم مما يبنون الكلام على الفائدة. ولهذا المعنى ، لم يجيزوا : إن الذاهبة جاريته صاحبها ، لأنه لم تكن في ذكرك (صاحبها) مفيدا لشيء لم تكن تفيده بقولك : إن الذاهبة جاريته. فأما قوله : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ)(٢) فإنما جاء قوله : (اثنتين) ليفيد العدد ، مجردا ، من الصّغر ، والكبر ، لأنه ، لو قال : فإن كانتا ، احتمل أن يكون من أحد القبيلين ، فجاء (اثنتين) ، دفعا ، للمحتمل : وزعم [٣٩ / ب] الأخفش أن التقدير : فإن كان من ترث اثنتين ، فأضمر (من) ، على معناه ، دون لفظه. كما قال : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً)(٣) فجاء (تعمل) على المعنى.
[قال أبو الفتح] : فإن كان هناك مفعول به صحيح ، لم يقم مقام الفاعل غيره. تقول : ضربت زيدا يوم الجمعة ضربا شديدا. لا يجوز أن تقيم مقام الفاعل ، غير زيد ، لأنه المفعول الصحيح.
قال الله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)(٤). فرفع (رزقه) ، لأنه مفعول صحيح. ولم يقرأ بالنصب فيما علمناه.
[قال أبو الفتح] : المشبّه بالفاعل في اللفظ ، على ضربين : اسم كان ، وخبر إن. [قلت] : وإنما كان مشبها بالفاعل ، لأن (كان) و (أخواتها) أسندت إلى هذه الأسماء ، نحو : كان زيد قائما ، وأصبح زيد مسرورا ، وليس محمد خارجا. فهذه الكلمات ، وإن خالفن سائر الأفعال ، فإنهن أفعال. فجاز أن يكون ما بعدهن فاعلا لها ، على خلاف فاعل سائر الأفعال. فقولك : كان زيد قائما ، يشبه قولك : ضرب زيد عمرا ، من حيث اللفظ ، وإن اختلفا من جهة المعنى. وأما خبر (إنّ) فسيأتي ذكره.
باب كان وأخواتها (٥)
وهي : كان ، وصار ، وأمسى ، وأصبح ، وظل ، وبات ، وما دام ، وما زال ، وما انفك ، وما
__________________
(١) ٦٩ : سورة الحاقة ١٣.
(٢) ٤ : سورة النساء ١٧٦.
(٣) ٣٣ : سورة الأحزاب ٣١.
(٤) ٦٥ : سورة الطلاق ٧.
(٥) عنوان هذا الباب في الكتاب ١ : ٤٥ : (هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى المفعول ، واسم الفاعل ، والمفعول ، فيه لشيء واحد). ويعني بالفاعل ، والمفعول : الاسم ، والخبر. وينظر : الكتاب هامش (٢ / هارون) ١ : ٤٥.