قولك : أحق الناس بمال أبيه دل على الابن. وقولك : بمال ابنه دل على الأب. فقول من قال في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) (١) إن الهاء من (أنها) تعود إلى الذكرى ، من قوله : (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤) (٢) والتقدير : إن الذكرى تذكرة ، قول فاسد ، إذ لم يفد بذكر الخبر على هذا التقدير شيئا. فالخبر للإفادة ، كما أن الصفة للإفادة. وإذا كان كذلك [فقول الشاعر] :
٨٨ ـ يداك ، يد : إحداهما الجود كلّه |
|
وراحتك الأخرى طعان تغامره (٣) |
فقوله : يداك : مبتدأ. وقوله : يد ، في موضع خبره ، وهو مفرد اللفظ ، ومعناه : التثنية.
والتقدير : يداك يدان. وجاز : يداك يدان ، لأن قوله : إحداهما : مبتدأ ، والجود خبره. والجملة في موضع الوصف ، لقوله : يد. فجاز : يداك يد ، وإن لم يكن في قوله (يد) وإن أراد به ، يدان ، فائدة ، لأنه ، لما وصفه بالجملة ازداد بذكر الجملة [دلال] ة (٤) لم تكن في المبتدأ. فهذا مساغ هذا الباب.
ولا يجوز أن يكون اسم كان نكرة ، والخبر معرفة ، إلا في ضرورة الشعر. وأنشد [قول القطامي] :
٨٩ ـ قفي قبل التفرّق ، يا ضباعا |
|
ولا يك موقف منك الوداعا (٥) |
فموقف : نكرة ، وجعله اسم كان. والوداع : معرفة ، وجعله خبر كان. قال : وهو ضرورة.
وإنما حسن هذه الضرورة ، أعني : جعل اسم كان نكرة ، لأن الكلام نفي. وفي باب النفي ، يجوز أن يكون الاسم ، والخبر ، جميعا ، نكرتين. تقول : ما كان أحد مثلك. قال الله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) (٦). فكفؤا : نكرة ، وهو خبر كان. واحد : نكرة ، وهو اسم كان.
[قال أبو الفتح] : ويجوز تقديم أخبار كان ، وأخواتها على أسمائها ، وعليها أنفسها ، تقول : كان قائما زيد ، وقائما كان [٤٢ / أ] زيد. وكذلك : ليس قائما زيد ، وقائما ليس زيد. [قلت] : هذا الكلام منه مطلق ، ولا ينبغي أن يكون على هذا الإطلاق ، وذلك ، لأن الخبر في هذا الباب ، ينقسم ثلاثة أقسام :
[الأول] : أن يجوز فيه تقديم الخبر على الاسم ، وعلى الفعل ، وذلك في : كان وصار ، وأصبح ، وأمسى ، وظل ، وبات. لا خلاف عند البصريين في جواز : كان قائما زيد ، وقائما كان
__________________
(١) ٨٠ : سورة عبس ١١.
(٢) ٨٠ : سورة عبس ٤.
(٣) البيت من الطويل ، لم أهتد إلى قائله.
(٤) طمست الكلمة في الأصل سوى (ة) ، والسياق على ما أثبت.
(٥) البيت من الوافر ، للقطامي (عمرو بن شييم) ، في : ديوانه ٣١ ، والكتاب ٢ : ٢٤٣ ، والتحصيل ٣٢٤ ، والمقتضب ٤ : ٩٤ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٢٩١ ، وشفاء العليل ١ : ٣١٧ ، والخزانة ٢ : ٣٦٧ ، ٩ : ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٨٣.
وبلا نسبة في : شواهد التوضيح ٨٨ ، وابن يعيش ٧ : ٩١ ، والجمل ١ : ٣٥٤ ، والمغني ٢ : ٤٥٣.
(٦) ١١٢ : سورة الإخلاص ٤.