والتفتت على الأخير الذي جاءنا وقلت له : يا أخي ، من أي بلاد أنت؟ فقال : أنا من ناحية الشمال ، وبلادنا ليس وراءها إلا سدّ يا جوج وما جوج : فنحن في حد بلاد المسلمين من تلك الناحية ، فقلت : كم المسافة دونكم؟ فقال لي : نحن بلادنا صعبة ، ودونها الجبال والبحور ، من جاء منا من جهة المشرق ، تكون المسافة عليه أربعة أشهر ونحوها ، ومن جاء من جهة المغرب ، تكون ستة أشهر ، ونحو ذلك ، فقلت له : ومن حذاءكم من أهل التجارات؟ فقال لي : تأتينا الأتراك بتجارات على التّيوس الفحول المعز ، لأن بلادنا من صعوبة جبالها ، لا يسير فيها من المواشي إلا تيوس المعز ، فاعتبرت ، والتفت إلى الذي جاءنا قبله ، وقلت له : يا أخي ، من أي بلاد أنت؟ قال : أنا من بلاد المطلع ، فقلت له : ما المطلع؟ ، فقال : مطلع الشمس ، لأنا في موضع ما وراءه إلا الجبال التي تطلع الشمس. قال : فنحن في حد المسلمين والعمارة من تلك الناحية فقلت له ، كم المسافة دونكم فقال : إن كان برا فعام ، وإلا فستة أشهر أو سبعة ، ونحو ذلك فاعتبرت. والتفت إلى الأول الذي وجدته جلس قبلي وقلت له : يا أخي ، من أي البلاد أنت؟ فقال : أنا من أقصى بلاد اليمين ، بلادنا ما وراءها إلا بلاد الصين ، فنحن في حد بلاد المسلمين من تلك الناحية ، فقلت له : كم المسافة دونكم؟ فقال لي : أما برا ، فنحو عشرة أشهر أو تسعة ، وأما بحرا ، فحسب التيسير : من ستة أشهر ونحوها. فقلت لهم : لم يبق إلا صاحبكم ، أعني نفسي ، فإني من أقصى بلاد الغرب ، والمسافة بيننا مع الحرم الشريف إذا كانت برا فعام أو قريب منه ، وإن كانت بحرا ، فحسب التيسير والأغلب ستة أشهر ونحوها ، أو قريب منها كما وقع لي ، وسألت كلّ واحد منهم عن زمن الربيع عندهم ، ومجيء الأمطار ، فإذا صاحب اليمين والمطلع ، دهر الربيع عندهما فصل الخريف وما قاربه من الصيف ، وذلك حال بلادنا التي هي الحوض ونحوه ، وأما الشمال ، فدهر الربيع عندهم ، فصل الشتاء وما قاربه من فصل الربيع ، وسألتهم ما يتصارفون به في بلادهم فقالوا كلهم : إن التصارف عندهم بالدنانير والدراهم. وسألتهم كلهم هل بلادهم فيها السلاطين ، أو مستقيمة بلا سلاطين ، فقالوا كلهم : إن بلادهم فيها سلاطين ، ولا تستقيم دونهم ، فقلت إن بلادنا لا يعرف أهلها دينارا ولا درهما ، فاعتبروا غاية ، وقال لي : بما التصارف عندكم ، فقلت لهم بالأنعام والأثواب والعبيد ،