الله أكبر ليومه لو لا مخلفة كانت تضيق الأرض بما رحبت ، وتجزى كلّ نفس بما كسبت ، وتنبىء كلّ سريرة ما ادّخرت وما خبّأت. لقد اضطرم سعير إلا أنّه في الجوانح ، لقد اضطرب منبر وسرير لولا خلفه الصالح ، لقد اضطرب مأمور وأمير لولا الفكر بعده في عاقبة المصالح ؛ ولم يكن في النسب العباسيّ ولا في البيت المسترشديّ ، ولا في غيره من بيوت الخلفاء من بقايا آباء وجدود ، ولا من تلده أخرى الليالي وهي عاقر غير ولود ؛ من تسلّم إليه أمّة محمد عقد نيّاتها ، وسرّ طويّاتها ، إلا واحد وأين ذلك الواحد؟! هو والله من انحصر فيه استحقاق ميراث آبائه الأطهار ، وتراث أجداده الأخيار ، ولا شيء هو إلّا ما اشتمل عليه رداء الليل والنهار ؛ وهو ولد المنتقل إلى ربّه ، وولد الإمام الذاهب لصلبه ، المجمع على أنّه في الأيّام فرد الأنام ، وواحد وهكذا في الوجود الإمام ، وأنّه الحائز لما زرّت (١) عليه جيوب المشارق والمغارب ، والفائز لملك ما بين المشارق والمغارب ، الرامي في صفيح السماء هذه الذّروة المنيفة ، الراقي بعد الأئمة الماضين ونعم الخليفة ، المجتمع فيه شروط الإمامة ، المتّضع لله وهو ابن بيت لا يزال الملك فيهم إلى يوم القيامة ، الّذي يفضح السحائب نائله ، والذي لا يعزّه عادله (٢) ولا يغيّره عاذله ، والذي ما ارتقى صهوة المنبر بحضرة سلطان زمانه ، إلا قال ناصره وقام قائمه ، ولا قعد على سرير الخلافة إلا وعرف أنّه ما خاب مستكفيه ولا غاب حاكمه ، نائب الله في أرضه ، والقائم مقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخليفته وابن عمّه ، وتابع عمله الصالح ووارث علمه ، سيّدنا ومولانا عبد الله ، ووليّه أبو العباس الإمام الحاكم بأمر الله ، أمير المؤمنين ، أيّد الله ببقائه الدّين ، وطوّق سيفه رقاب الملحدين ، وكبت تحت لوائه المعتدين ، وكتب له النّصر إلى يوم الدين ، وكبّ بجهاده على الأذقان طوائف المفسدين ، وأعاذ به الأرض ممّن لا يدين بدين ، وأعاد بعدله أيّام آبائه الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهذّبين ، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، ونصر أنصاره ، وقدّر اقتداره ، وأسكن في القلوب سكينته ووقاره ، ومكّن له في الجود وجمع له أقطاره.
ولمّا انتقل إلى الله ذلك السيّد ولقي أسلافه ، ونقل إلى سرير الجنّة عن سرير الخلافة ، وخلا العصر من إمام يمسك ما بقي من نهاره ، وخليفة يغالب مزيد الليل بأنواره ، ووارث نبيّ بمثله ومثل آبائه استغنى الوجود بعد ابن عمّه خاتم الأنبياء عن نبيّ يقتفي على آثاره ، ومضى ولم يعهد فلم يبق إذ لم يوجد النصّ إلا الإجماع ، وعليه
__________________
(١) زرّت : جمعت.
(٢) لا يعزّه عادله : لا يغلبه مساويه.