كانت الخلافة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلا نزاع ، اقتضت المصلحة الجامعة عقد مجلس كلّ طرف منه معقود ، وعقد بيعة عليها الله والملائكة شهود ، وجمع الناس له وذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ؛ فحضر من لم يعبأ بعده بمن تخلّف ، ولم ير بائعه وقد مدّ يده طائعا لمزيدها وقد تكلّف ، وأجمعوا على رأي واحد استخاروا الله فيه فخار ، وأخذ يمين تمدّ لها الأيمان ، ويشدّ بها الإيمان ، وتعطى عليها المواثيق ، وتعرض أمانتها على كلّ فريق ؛ حتّى تقلّد كلّ من حضر في عنقه هذه الأمانة ، وحطّ على المصحف الكريم يده وحلف بالله وأتمّ أيمانه ، ولم يقطع ولا استثنى ولا تردّد ، ومن قطع عن غير قصد أعاد وجدّد ، وقد نوى كلّ من حلف أنّ النية في يمينه نيّة من عقدت له هذه البيعة ونيّة من حلف له ، وتذمّم بالوفاء له في ذمّته وتكفله ، على عادة أيمان البيعة وشروطها ، وأحكامها المردّدة ، وأقسامها المؤكّدة بأن يبذل لهذا الإمام المفترض الطاعة الطاعة ، ولا يفارق الجمهور ولا يفرّ عن الجماعة الجماعة ، وغير ذلك مما تضمّنته نسخ الأيمان المكتتب فيها أسماء من حلف عليها ممّا هو مكتوب بخطوط من يكتب منهم ، وخطوط العدول الثّقات عمّن لم يكتبوا وأذنوا أن يكتب عنهم ، حسبما يشهد به بعضهم على بعض ، وتتصادق عليه أهل السماء والأرض ، بيعة تمّ بمشيئة الله تمامها ، وعمّ بالصّوب المغدق غمامها ؛ وقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن ، ووهب لنا الحسن ، ثمّ الحمد لله الكافي عبده ، الوافي لمن تضاعف على كلّ موهبة حمده ، ثمّ الحمد لله على نعمة يرغب أمير المؤمنين في ازديادها ، ويرهب إلّا أن يقاتل أعداء الله بإمدادها ، ويرأب بها من أثر في منابر ممالكه ما بان من مباينة أضدادها ؛ نحمده والحمد لله ، ثمّ الحمد لله ، كلمة لا يملّ من تردادها ، ولا تخلّ بما تفوّق السهام من سدادها ، ولا تبطل إلّا على ما يوجب تكثير أعدادها ، وتكبير أقدار أهل ودادها ، وتصغير التحقير لا التحبيب لأندادها.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تتقايس بدماء الشّهداء وإمداد مدادها ، وتتنافس طرر الشباب وغرر السحاب على استمدادها ، وتتجانس رقومها المدبّجة وما تلبسه الدولة العباسيّة من شعارها والليالي من دثارها والأعداء من حدادها ؛ صلّى الله عليه وعلى جماعة أهله ، ومن خلف من أبنائها وسلف من أجدادها ، ورضي الله عن الصحابة أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ؛ فإنّ أمير المؤمنين لمّا ألبسه الله من ميراث النبوّة ما كان لجدّه ، ووهبه من الملك السليمانيّ ما لا ينبغي لأحد من بعده ، وعلّمه منطق الطّير بما تحمّله حمائم النطائق من بدائع البيان ، وسخّر له من البريد على متون الخيل ما سخّره من الريح لسليمان ، وآتاه من خاتم الأنبياء ما امتدّ به أبوه سليمان وتصرّف ، وأعطاه من الفخار به