الخميس حادي عشر ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين (١) ، وطلب الواثق إبراهيم ووليّ العهد أحمد بن المستكفي والقضاة ، وقال : من يستحقّ الخلافة شرعا؟ فقال ابن جماعة : إنّ الخليفة المستكفي المتوفّى بمدينة قوص أوصى بالخلافة من بعده لولده أحمد ، وأشهد عليه أربعين عدلا بمدينة قوص ، وثبت ذلك عندي بعد ثبوته على نائبي بمدينة قوص.
فخلع السلطان الواثق حينئذ وبايع أحمد ، وبايعه القضاة.
قال الحافظ ابن حجر : ولقّب أولا المستنصر ، ثم لقّب الحاكم بأمر الله لقب جدّه وكتب له ابن فضل الله صورة المبايعة ؛ وهي هذه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ١٠] ، هذه بيعة رضوان وبيعة إحسان ، وبيعة رضا يشهدها الجماعة ويشهد عليها الرحمن. بيعة يلزم طائرها العنق ، ويحوم بسائرها وكلّ أنبائها البراري والبحار مشحونة الطرق ، بيعة يصلح الله بها الأمّة ، ويمنح بسببها النعمة ، ويتجارى الرّفاق ، ويسري الهناء في الآفاق ، وتتزاحم زهر الكواكب على حوض المحرّة الدّقاق. بيعة سعيدة ميمونة ، بها السّلامة في الدين والدنيا مضمونة ، بيعة صحيحة شرعيّة ، بيعة ملحوظة مرعيّة ، تسابق إليها كلّ نية ، وتطاوع كلّ طويّة ، ويجمع عليها شتات البريّة. بيعت يستهلّ بها العام ، ويتهلّل البدر التمام ، بيعة متّفق على الإجماع عليها ، والإجماع يبسط الأيدي إليها ، انعقد عليها الإجماع فاعتقد صحّتها من سمع لله وأطاع ، وبذل في تمامها كلّ امرئ ما استطاع ، حصل عليها اتّفاق الأبصار والأسماع ، ووصل بها الحقّ إلى مستحقّه وأقرّ الخصم وانقطع النزاع. تضمّنها كتاب مرقوم يشهده المقرّبون ، وتلقّاه الأئمة الأقربون.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) [الأعراف : ٤٣] ، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، وإلينا بحمد الله وإلى بني العباس. أجمع على هذه البيعة أرباب العقد والحلّ ، من أصحاب الكلام فيما قلّ وجلّ وولاة الأمور والحكّام ، وأرباب المناصب والأحكام ، حملة العلم والأعلام ، وحماة السيوف
__________________
(١) في شذرات الذهب : ٦ / ١٣٥ : في محرم سنة ٧٤٢ ه بايع السلطان الملك المنصور الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد بن الخليفة المستكفي للخلافة بعهد من والده ، وجلس مع السلطان على كرسي واحد وبايعهم القضاة.