ثمّ نزل إلى داره بالكبش ، ونقش اسمه على سكّة الدينار والدرهم. ثمّ رسم السلطان في جمادى الآخرة بأن ينتقل الخليفة وأولاده وجميع من يلوذ به إلى القلعة إكراما لهم. فنزلوا في دارين ، وأجرى عليهم الرواتب الكثيرة ، واستمرّ دهرا وهو والسلطان كالأخوين يلعبان بالأكرة ، ويخرجان إلى السّرحات ، وسافرا معا إلى غزوة التّتار نوبة غازيين ، حتّى وشى الواشي بينهما ، فتغيّر خاطر الناصر منه ، وذلك في سنة ستّ وثلاثين.
فأمره أن ينتقل من القلعة إلى مناظر الكبش (١) حيث كان أبوه ساكنا ، ثمّ أمره أن يخرج إلى قوص ، فيقيم بها وذلك في ثامن عشر ذي الحجّة سنة سبع وثلاثين ، فخرج إليها هو وأولاده وأهله ، وهم قريب من مائة نفس ، ورتّب له على واصل المكارم أكثر ممّا كان له بمصر ، وتوجّع الناس لذلك كثيرا.
قال الحافظ ابن حجر : وكان بطول مدّته يخطب له على المنابر ؛ حتّى في مدة إقامته بقوص ، واستمرّ بها إلى أن مات في شعبان سنة أربعين وسبعمائة (٢) ، ودفن بها وقد عهد بالخلافة إلى ابنه أحمد وأشهد عليه أربعين عدلا ، وأثبت ذلك على قاضي قوص.
فلمّا بلغ الناصر ذلك لم يلتفت إلى ذلك العهد ، وطلب ابن أخي المستكفي إبراهيم ابن وليّ العهد المستمسك بالله أبي عبد الله محمد بن الحاكم بأمر الله أبي العبّاس أحمد ، وكان جدّه الحاكم عهد إلى ابنه محمد ، ولقّبه المستمسك بالله ، فمات في حياته.
فعهد إلى ابنه إبراهيم هذا ظنّا أنه يصلح للخلافة ، فرآه غير صالح لما هو فيه من الانهماك في اللّعب ومعاشرة الأرذال ، فنزل عنه ، وعهد إلى ولد صلبه المستكفي ، وهو عمّ إبراهيم ؛ وكان إبراهيم قد نازعه لما مات الحاكم ، فلم يلتفت إلى منازعته اعتمادا على قول الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد ، فأقام على ضغينته حتّى كان هو السبب في الوقعية بين عمّه وبين الناصر ، وجرى ما جرى.
فلم يمض الناصر عهد المستكفي لولده ، وبايع إبراهيم هذا في يوم الاثنين ثالث رمضان ، ولقّب الواثق بالله ، وراجع الناس السلطان في أمره ، ووسموه بسوء السّيرة ،
__________________
(١) مناظر الكبش : هذه المناظر آثارها الآن على جبل يشكر بجوار الجامع الطولوني مشرفة على البركة التي تعرف ببركة قارون. [الخطط المقريزية : ٢ / ١٣٣].
(٢) شذرات الذهب : ٦ / ١٢٦.