وإذا لحظها جارية
في البحر كانت كالأعلام ، وإذا شبّهها قال : هذه ليال تقلع بالأيام. وقد ساق الله
لك من السعادة كلّ مطلب ، وآتاك من أصالة الرّأي الذي يريك المغيّب ، وبسط بعد
القبض منك الأمل ، ونشّط بالسعادة ما كان من كسل. وهداك إلى مناهج الحقّ وما زلت
مهتديا إليها ، وألزمك المراشد ولا تحتاج إلى تنبيه عليها. والله يمدّك بأسباب
نصره ، ويوزعك شكر نعمه ، فإنّ النعمة تستتمّ بشكره!
ثمّ ركب السلطان
بهذه الأبّهة والقيد في رجليه ، والطوق في عنقه ، والوزير بين يديه ، على رأسه
التقليد ، والأمراء والدّولة مشاة سوى القاضي والوزير. فشقّ القاهرة وقد زيّنت له
؛ وكان يوما عظيما.
ثمّ طلب الخليفة
من السلطان أن يجهّزه إلى بغداد ، فرتّب له جندا ، وأقام له كلّ ما يحتاج إليه ،
وعزم عليه ألف ألف دينار. وسار السلطان صحبته إلى دمشق ، فدخلاها يوم الاثنين سابع
ذي القعدة ، وصلّيا فيها الجمعة. ثمّ رجع السلطان إلى مصر وسار الخليفة ومعه ملوك
الشرق ، ففتح الحديثة ثم هيت ، فجاءه عسكر من التّتار فتصافّوا ، فقتل من المسلمين جماعة
وعدم الخليفة ، فلا يدرى : أقتل أم هرب! وذلك في ثالث المحرّم سنة ستّين. فكانت
خلافته دون ستّة أشهر.
وكان ممّن شهد
الوقعة معه وهرب فيمن هرب أبو العبّاس أحمد بن الأمير أبي علي الحسن القبّي بن
الأمير عليّ بن الأمير أبي بكر بن أمير المؤمنين المسترشد بالله فقصد الرّحبة ، وجاء إلى عيسى بن مهنّا ، فكاتب فيه الملك الظاهر فطلبه
، فقدم القاهرة ومعه ولده وجماعة ، فدخلها في سابع عشري ربيع الآخر فتلقّاه
السلطان ، وأظهر السرور به ، وأنزله بقلعة الجبل ، وأغدق عليه ، واستمرّ بقيّة
العام بلا مبايعة ، والسّكة تضرب باسم المستنصر المقتول أوّل العام.
فلما كان يوم
الخميس ثامن المحرم سنة إحدى وستّين جلس السّلطان مجلسا عاما ، وجاء أبو العبّاس المذكور راكبا إلى الإيوان
الكبير ، وجلس مع السلطان ، وذلك بعد ثبوت نسبه ، فقرىء نسبه على الناس ، ثمّ أقبل
عليه السلطان وبايعه بإمرة
__________________