أضحت بها حالية ؛
فإنّما هي على الحقيقة منها عاطلة ؛ وهل أشقى ممّن احتقب إثما ، واكتسب بالمساعي الذميمة ذمّا ، وجعل السّواد
الأعظم له يوم القيامة خصما ، وتحمّل ظلم الناس فيما صدر عنه من أعماله ، وقد خاب
من حمل ظلما! وحقيق بالمقام الشريف المولويّ السلطان الملكيّ الظاهريّ الركنيّ أن
تكون ظلامات الأنام مردودة بعدله ، وعزائمه تخفّف ثقلا لا طاقة له بحمله ؛ فقد
أضحى على الإحسان قادرا ، وصنعت له الأيّام ما لم تصنعه لغيره ممّن تقدم من الملوك
وإن جاء آخرا.
فاحمد الله على أن
وصل إلى جانبك إمام هدى أوجب لك مزيّة التعظيم ، ونبّه الخلائق على ما فضّل الله
به من هذا الفضل العظيم. وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى ، وأن يوالى عليها حمد الله
؛ فإنّ الحمد يجب عليها عقلا وشرعا ، وقد تبيّن أنّك صرت في الأمور أصلا وصار غيرك
فرعا. وممّا يجب أيضا تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمّة فرضا ، وهو
العمل الذي يرجع به مسوّد الصحائف مبيضا.
وقد وعد الله
المجاهدين بالأجر العظيم ، وأعدّ لهم عنده المقام الكريم ، وخصّهم بالجنّة التي لا
لغو فيها ولا تأثيم.
وقد تقدّمت لك في
الجهاد يد بيضاء أسرعت في سواد الجهاد ، وعرفت منك عزيمة هي أمضى ممّا تجنّه ضمائر
الأغماد ، وأشهى إلى القلوب من الأعياد ، وبك صان الله حمى الإسلام من أن يبتذل ،
وبعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول ؛ وسيفك أثّر في قلوب الكافرين قروحا لا
تندمل ، وبك يرجى أن يرجع من الخلافة ما كان عليه في الأيّام الأول.
فأيقظ لنصرة
الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا ، وكن في مجاهدة أعداء الله إماما متبوعا لا
تابعا ، وأيّد كلمة التوحيد فما تجد في تأييدها إلّا مطيعا سامعا ، ولا تخل
الثّغور من اهتمام بأمرها تبسم لك الثغور ، واحتفال يبدّل ما دجى من ظلماتها
بالنور ، واجعل أمرها على الأمور مقدّما ، وشيّد منها كلّ ما غادره العدوّ منهدما
؛ فهذه حصون بها يحصل الانتفاع ، وهي على العدوّ داعية الافتراق والاجتماع ،
وأولاها بالاهتمام ما كان البحر له مجاورا ، والعدوّ له ملتفتا ناظرا ؛ لا سيما
ثغور الديار المصريّة ، فإنّ العدوّ وصل إليها وأتى وراح خاسرا ، واستأصلهم الله
فيها حتّى ما أقال منها عاثرا. وكذلك أمر الأسطول الذي تزجى خيله كالأهلّة ،
وركائب سائقه بغير سائق مستقلّة ، وهو أخو الجيش السّليمانيّ فإنّ ذاك غدت الرياح
له حاملة ، وهذا تكفّلت بحمله المياه السائلة.
__________________