المؤمنين. ثمّ
أقبل هو على السلطان ، وقلّده الأمور ، ثمّ بايعه الناس على طبقاتهم ، ولقّب
الحاكم بأمر الله وكان يوما مشهودا.
فلمّا كان من الغد
يوم الجمعة خطب الخليفة بالناس ، فقال في خطبته :
الحمد لله الذي
أقام لآل العبّاس ركنا وظهيرا ، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا. أحمده على السرّاء
والضرّاء ، وأستعينه على شكر ما أسبغ من النّعماء ، وأستنصره على الأعداء ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى آله وصحبه نجوم الاهتداء ، وأئمة الاقتداء لا سيما
الأربعة الخلفاء ، وعلى العبّاس عمّه ، وكاشف غمّه ، وعلى السّادة الخلفاء
الراشدين ، والأئمة المهديّين ، وعلى بقيّة الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم
الدين.
أيّها الناس ،
اعلموا أنّ الإمامة فرض من فروض الإسلام ، والجهاد محتوم على جميع الأنام ، ولا
يقوم علم الجهاد ، إلا باجتماع كلمة العباد ، ولا سبيت الحرم إلا بانتهاك المحارم
، ولا سفكت الدّماء إلّا بارتكاب المآثم ، فلو شاهدتم أعداء الإسلام حين دخلوا دار
السّلام ، واستباحوا الدماء والأموال ، وقتلوا الرّجال والأطفال وسبوا الصبيان
والبنات ، وأيتموهم من الآباء والأمهات ، وهتكوا حرم الخلافة والحريم ، وأذاقوا من
استبقوا العذاب الأليم ؛ فارتفعت الأصوات بالبكاء والعويل ، وعلت الضجّات من هول
ذلك اليوم الطويل ؛ فكم من شيخ خضّبت شيبته بدمائه ، وكم من طفل بكى فلم يرحم
لبكائه! فشمّروا ساق الاجتهاد في إحياء فرض الجهاد.
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : ٩] ، فلم
تبق معذرة في القعود عن أعداء الدين ، والمحاماة عن المسلمين.
وهذا السلطان
الملك الظاهر ، السيّد الأجلّ العالم العادل المجاهد المؤيّد ، ركن الدنيا والدين
، قد قام بنصر الإمامة عند قلّة الأنصار ، وشرّد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال
الديار ، فأصبحت البيعة باهتمامه منتظمة العقود ، والدولة العباسيّة به متكاثرة
الجنود.
فبادروا عباد الله
إلى شكر هذه النعمة ، أخلصوا نيّاتكم تنصروا ، وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا ،
ولا يرد عنكم ما جرى ؛ فالحرب سجال والعاقبة للمتّقين. والدهر يومان والآخر
للمؤمنين ؛ جمع الله على التقوى أمركم ، وأعزّ بالإيمان نصركم ، وأستغفر الله
العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين. فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.