غورا ونجدا ،
وفوّض أمر جندها ورعاياها إليك حين أصبحت بالمكارم فردا ، ولا جعل منها بلدا من
البلاد ولا حصنا من الحصون يستثنى ، ولا جهة من الجهات تعدّ في الأعلى ولا في
الأدنى.
فلاحظ أمور الأمّة
فقد أصبحت لها حاملا ، وخلّص نفسك من التّبعات اليوم ففي غد تكون مسئولا لا سائلا
، ودع الاغترار بأمر الدنيا فما نال أحد منها طائلا ، وما رآها أحد بعين الحقّ إلا
رآها حائلا زائلا ؛ فالسعيد من قطع منها آماله الموصولة ، وقدّم لنفسه زاد التقوى
؛ فتقدمة غير التقوى مردودة لا مقبولة. وأبسط يدك بالإحسان والعدل فقد أمر الله
بالعدل وحثّ على الإحسان ، وكرّر ذكره في مواضع القرآن ، وكفّر به عن المرء ذنوبا
كتبت عليها وآثاما ، وجعل يوما واحدا منها كعبادة العابد ستّين عاما. وما سلك أحد
سبيل العدل إلّا واجتنيت ثماره من أفنان ، ورجع الأمر به بعد تداعي أركانه وهو
مشيّد الأركان ، وتحصّن به من حوادث زمانه ؛ والسعيد من تحصّن من حوادث الزمان.
وكانت أيّامه في
الأيّام أبهى من الأعياد ، وأحسن في العيون من الغرر في أوجه الجياد ، وأحلى من
العقود إذا حلّي بها عاطل الأجياد.
وهذه الأقاليم
المنوطة بك تحتاج إلى نوّاب وحكّام ، وأصحاب رأي من أصحاب السيوف والأقلام ؛ فإذا
استعنت بأحد منهم في أمورك فنقّب عليه تنقيبا ، واجعل عليه في تصرّفاته رقيبا ،
واسأل عن أحواله ففي يوم القيامة تكون عنه مسئولا ، وبما اجترم مطلوبا. ولا تولّ منهم إلّا من تكون مساعيه حسنات لك لا
ذنوبا.
وأمرهم بالأناة في
الأمور والرّفق ، ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلّة الحقّ ، وأن يقابلوا الضعفاء في
حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق ؛ وألّا يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة
إلا بما يستحقّ ، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعايا إخوانا ، وأن يوسعوهم برّا
وإحسانا ، وألّا يستحلّوا حرماتهم إذا استحلّ الزمان لهم حرمانا ، فالمسلم أخو
المسلم ولو كان أميرا عليه وسلطانا. والسعيد من نسج ولاته في الخير على منواله ،
واستنّوا بسنّته في تصرّفاته وأحواله ، وتحمّلوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله
؛ ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيّىء السّنن ، وجدّد من المظالم التي هي من
أعظم المحن ، وأن يشترى بإبطالها المحامد ، فإنّ المحامد رخيصة بأغلى ثمن. ومهما
جبي منها من الأموال فإنّما هي باقية في الدم حاصلة ، وأجياد الخزائن وإن
__________________