أحمده على نعمه
التي رتعت الأعين منها في الرّوض الأنف ، وألطافه التي وقف الشاكر عليها فليس له
عنها منصرف. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، شهادة توجب من المخاوف
أمنا ، وتسهّل من الأمور ما كان حزنا.
وأشهد أنّ سيّدنا
محمدا عبده ورسوله الذي جبر من الدين وهنا ، والذي أظهر من المكارم فنونا لا فنّا
، صلّى الله عليه وعلى آله الذين أضحت مناقبهم باقية لا تفنى ، وأصحابه الّذين
أحسنوا في الدين فاستحقّوا الزّيادة بالحسنى ، وبعد :
فإنّ أولى الأولياء
بتقديم ذكره ، وأحقّهم أن يصبح القلم راكعا وساجدا في تسطير مناقبه وبرّه ، من سعى
فأضحى سعيه للحمد متقدّما ، ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجدا ومتهما ، وما بدت
يد في المكرمات إلّا كان لها زندا ومعصما ، ولا استباح بسيفه حمى وغى إلا أضرم منه
نارا وأجرى منه دما.
ولمّا كانت هذه
المناقب الشريفة مختصّة بالمقام العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الظاهريّ
الركنيّ شرّفه الله وأعلاه. ذكره الديوان العزيز النبويّ الإماميّ المستنصريّ أعز
الله سلطانه تنويها بشريف قدره ، واعترافا بصنيعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا
تقوم بشكره.
وكيف لا ، وقد
أقام الدولة العباسيّة ، بعد أن أقعدتها زمانة الزّمان ، وأذهبت ما كان لها من محاسن وإحسان ، وعتب دهرها
المسيء لها فأعتب ، وأرضى عنها زمنها. وقد كان صال عليها صولة مغضب ، فأعاده لها
سلما بعد أن كان عليها حربا ، وصرف إليها اهتمامه فرجع كلّ متضايق من أمورها واسعا
رحبا.
ومنح أمير
المؤمنين عند القدوم عليه حنوّا وعطفا ، وأظهر من الولاء رغبة في ثواب الله ما لا
يخفى ، وأبدى من الاهتمام بأمر الشريعة والبيعة أمرا لو رامه غيره لا متنع عليه ،
ولو تمسّك بحبله متمسّك لا نقطع به قبل وصوله إليه ، ولكنّ الله ادّخر هذه الحسنة
ليثقل بها ميزان ثوابه ، ويخفّف بها يوم القيامة حسابه ، والسعيد من خفّف من
حسابه. فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلّدها في صحيفة صنعه ، ومكرمة تضمّنت لهذا
البيت الشريف بجمعه ، فعد أن حصل الإياس من جمعه. وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع
؛ ويعترف أنّه لولا اهتمامك لا تّسع الخرق على الراقع وقد قلّدك الديار المصرية
والبلاد الشاميّة ، والديار البكريّة والحجازيّة واليمنيّة والفراتيّة ، وما
يتجدّد من الفتوحات
__________________