منصب سناء سما فأعجز النجم صعوده ، وانتخبك من بيت عزّ غدت دعائمه لذات السمهريّة وظلاله صفحات القبض المشرفيّة ، وحشاياه صهوات الجرد الأعوجيّة.
ولقد كان وقع التحامل على الحضرة ببعدك عن فنائها ، وحسدت على قربك منها لما يعلم من متابعتك لها ، وإغراقك في ولائها ، وحاد بك عن موضعك من الاختصاص بها من قصد اهتضامها ، وأفسد لسوء عقيدته نظامها ، وصلمها على أنّك لم تخل بنصرتها على بعد الدار ، بل نصرت الحقّ حيث كان ودرت معه حيث دار. وقد كان أمير المؤمنين حين أبهمت الأمور ، وحرجت الصدور ، وحارت الألباب ، واستشرف للارتياب ، يرجو من الله أن يفجأه منك بالفرج القريب ، ويصمى أعداءه من عزمك بالسّهم المصيب ، واستجاب الله دعاءه فيك بما ماثل دعاء جدّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضاهى ، وحصل في ذلك على معنى قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) [البقرة : ١٤٤].
ولمّا أذهب الله بك أيها السيّد الأجلّ الملك الصالح عن دولة أمير المؤمنين غايات العيّ ، وأدرك بها ثأر أولياء الله من ذوي المباينة والبغي ، وأحسن له الصنيع بمؤازرتك ، وبلّغه مظافرتك ومكانفتك لما أحاط الخبرة بأرجائه ، وفقّه من التعويل عليك لما كان غاية رجائه ، فقلّدك من وزارته ، وفوّض إليك تدبير مملكته وكفالته ، وجعلك إمارة جيوشه الميامين ، وكفالة قضاة المسلمين ، وهداية دعاة المؤمنين ، وتدبير ما هو مردود إليهم من الصلاة والخطابة وإرشاد الأولياء المستجيبين ، والنظر في كلّ ما أغدقه الله من أمور أوليائه أجمعين ، وجنوده وعساكره المؤيّدين ، وكافّة رعاياه بالحضرة وجميع أعمال المملكة دانيها وقاصيها ، وسائر أحوال الدولة باديها وخافيها ، وكلّ ما تنفذ فيه أوامره ، تبوح بشعاره منابره. وردّ إليك تدبير ما وراء سرير خلافته ، وسياسة ما تحتوي عليه أقطار مملكته ، وألقى إليك مقاليد البسط والقبض ، والرفع والخفض ، والإبرام والنقض ، والقطع والوصل ، والولاية والعزل ، والتصرّف والصرف ، والإمضاء والوقف ، والغضّ والتنبيه ، والإخمال والتنويه ، وجميع ما يقتضيه صواب التدبير من الإنعام والإرغام ، وما توجبه أحكام السياسة من الإباء والإتمام ، تيمّنا بما يحقّق مبالغتك في متابعته ، واجتهادك في إعلامنا ودعوته ، وعلما بأنّ التوفيق لا يعدو وراك ، والمسعود لا يفارق أنحاك.
فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين من هذه الرتب العالية ، والمنزلة التي قرّب عليك تناولها أعمالك الزاكية ، والمنصب الذي تحكم فيه بأمر أمير المؤمنين وتنطق بلسانه ، وتبطش بيده وتحبّ وتبغض بقلبه وجنانه ، جاريا على رسمك في تقوى الله وخشيته ، واتّباع مرضاته واستشعار رجعته ، ومنتجزا ما وعد به في كتابه ، إليه ينتهي الحكم