ابن جماعة ، والأمراء وغالب أرباب الدولة ، وكان خروجه في سادس ذي القعدة ، وأبطل في هذه السنة مكوس الحرمين ، وعوّض أميري مكّة والمدينة عنها إقطاعات بمصر والشام ، ومهّد ما كان في عقبة إيلياء من الصخور ، ووسّع طريقها.
واتّفق في هذه السنة أنّ كريم الدين ناظر الخاصّ حضر إلباس الكعبة الكسوة ، فصعد الكعبة ، وجلس على العتبة يشرف على الخيّاطين ، فأنكر الناس استعلاءه على الطائفين ، فسقط لوقته على رأسه ، وصرخ الناس صرخة عظيمة تعجّبا من ظهور قدرة الله ، وانقطع ظهره ، ولولا تداركه من تحته لهلك ؛ وعلم بذنبه ، فتصدّق بمال جزيل.
ثمّ حجّ الناصر حجّة ثالثة في سنة اثنتين وثلاثين ، وهو الذي حفر الخليج الناصريّ (١) الداخلي من قنطرة قديدّار (٢) وعزم على أن يجري النيل تحت القلعة ، ويشقّ له من ناحية حلوان ، فثبّطه عن ذلك فخر الدين ناظر الجيش ، وقال إنه يحتاج إلى ثلاث خزائن من المال ، ولا يدري : هل يصح أو لا! فرجع عنه.
واستمرّ الناصر إلى أن مات يوم الأربعاء عاشر ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين ، وهو أطول ملوك الترك مدّة.
وأقيم بعده ولده سيف الدين أبو بكر ، ولقّب الملك المنصور ، فأقام دون الشهرين ، ثمّ خلع في يوم الأحد العشرين من صفر سنة اثنتين وأربعين ، ونفي هو وإخوته إلى قوص ، وتهتّكت حريم أبيه الناصر ، وكثر البكاء والعويل بالقاهرة. وكان يوما من أشنع الأيّام ، ثمّ قتل بقوص ، وأقيم بعده أخوه علاء الدين كجك ولقّب الملك الأشرف ، وعمره دون (٣) ستّ سنين ، فقال بعض الشعراء في ذلك :
سلطاننا اليوم طفل والأكابر في |
|
خلف وبينهم الشّيطان قد نزغا |
فكيف يطمع من تغشاه مظلمة |
|
أن يبلغ السؤل والسلطان ما بلغا |
فأقام خمسة أشهر ، ثمّ خلع في أوّل شعبان ، واعتقل بالقلعة إلى أن مات سنة ستّ وأربعين. قال صاحب السكردان : والله أعلم كيف موته.
وأقيم أخوه شهاب الدين أحمد ولقّب الملك الناصر ، وكان قدم من الكرك ، وكان الذي عقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدين السبكيّ ، وقد حضر من الشام إلى مصر ، قال في السّكردان :
__________________
(١) الخطط المقريزية : ٢ / ١٤٥.
(٢) في الخطط المقريزية : ٢ / ١٤٨ : قدادار على الخليج الناصري.
(٣) في الخطط المقريزية : ٢ / ٢٣٩ : ولم يكمل من العمر ثمان سنين.