عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، وقد كانت وهت وخربت فشدها وضببها بضباب الساج وخالف بعضها على بعض ، وذلك على عمل يقال له : المضلّع ، فلما أوثقها بالمسامير طلاها بالنورة ، ثم جعل عليها الفسيفساء ، وكتب في وسطها كما يدور كتابا غيّره أبو غانم ، ثم الحارث بن عيسى بعد ذلك ، وكتب مكانه : بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم أبرز عن سرب رصاص كان خالد القسري قد عمله لسليمان بن عبد الملك يصب في حوض كان عمله بين زمزم والمقام ، فلما قدم داود بن علي في خلافة بني هاشم أبطل ذلك الحوض فصرف بشر ذلك السرب إلى هذه القبة ، وجعل فسقية ـ وهي البركة الصغيرة ـ وجعل في وسطها فوّارة يخرج منها الماء مما يصير إليها من زمزم ، وهي القبة التي وصفنا أمرها (١). وان الناس كانوا يتوضؤون منها في الموسم وأيام الحج فأبرز عن هذا السرب الرصاص وسوّاه بالشبه والنورة ، ورده على أحكم ما يكون من العمل ، وصارت هذه البركة في وسط القبة يخرج إليها الماء من الفوّارة التي في وسطها ، ثم يأخذ غلمان زمزم الماء منها فيصبونه في جرار قد جعلت في جوف القبة حوالى هذه البركة فيبرّد الماء في هذه الجرار ، ثم يسقى الناس منها غدوة وعشية في الكيزان ، ويأخذ غلمان زمزم دلاء من أدم فيلمؤونها من هذا الماء المبرّد ثم يطوفون بها على الخلق في المسجد الحرام ، فيشرب الناس منها ، وجعل على هذه القبة درابزين ساج كما يدور ، وضبّب بعضها إلى بعض بالحديد ، وجعل لها بابين يمانيا يدخل منه ، وشاميا يخرج منه ، وجدد جدرات المسجد / مما يلي دار أم جعفر ، ودار العجلة ، وباب بني جمح ، وطلاه بالنورة والمرمر.
وفي هذه السنة بويع لأمير المؤمنين المعتمد على الله بمكة ، وفيها جاور الموفق بالله ، وأقام بمكة إلى قريب الموسم ، ثم خرج قبل الموسم بيسير.
__________________
(١) أنظر المرجع السابق.