المدينة ، وذلك لشيء بلغه عن أهل المدينة ومكة ، أنهم رموه بالأبنة (١) في نفسه ، فأمره أن يقتل من لقي من الناس ، وأن يضع فيهم السيف ثلاثة أيام ، فقدم مسلم المدينة ، فأقام ثلاثا يقتل من لقي لا يتهيّب أحدا ، حتى أجفل الناس في البيوت واختبوا منه ، وقد كان يزيد قال له : إذا فرغت من قتل أهل المدينة فضع المنبر ، ثم ادع إلى بيعتي ، وادع عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، فسلهما أن يبايعا على أنهما عبد لأمير المؤمنين ، وقال له : من امتنع عليك منهما أو من الناس فاضرب عنقه ، ولا تؤامرني في ذلك ، فلما صعد المنبر دعاهما إلى ذلك ، وبدأ بهما على الناس ، فأجابه علي بن الحسين ، وامتنع علي بن عبد الله ، فهم أن ينفذ فيه ما أمر به يزيد ، فحال بينه وبينه أخواله من كندة ، وقالوا لمسلم : لا يوصل إليه حتى توصل إلى أنفسنا ، فتركه ، فيزعمون أنه قيل لعلي بن حسين في ذلك ولامه الناس في إجابته مسلما إلى ما دعاه إليه ، فقال : لم يكن في نفسي / إنما كان في الناس خفت أن ينفّذ ما قال يزيد من القتل ، فأكون قد سننت للناس سنة تذهب فيها أنفسهم (٢).
ثم رجعنا إلى حديث هشام بن عروة ، قال : ثم خرج من المدينة ، فلما كان في بعض الطريق مات ، فاستخلف الحصين بن نمير الكندي ، وقال مسلم بن عقبة للحصين : يا برذعة الحمار ، احذر خدائع قريش ، لا تعاملهم إلا بالثقاف ثم (٣) القطاف ، قال : فمضى حتى ورد مكة ، فقاتل بها ابن الزبير
__________________
(١) الأبنة : ـ بضم الهمزة ، وسكون الباء ـ جمعها : أبن. وهي : خلّة السوء تكون في الإنسان.
وأصلها : العقدة التي تكون في القوس أو في العصا فتفسدها. لسان العرب ١٣ / ٣ ـ ٥.
(٢) أنظر تفاصيل هذه الوقعة التي تسمّى (وقعة الحرّة) في تاريخ الطبري ٧ / ٦ ـ ١٣ وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٤١٤ ـ ٤١٥ والبداية والنهاية ٨ / ٢١٧ ـ ٢٢١ ، والعقد الفريد ٥ / ١٢٨ ـ ١٣١.
(٣) الثقاف : الجلاد والقتال بالسيف. لسان العرب ٩ / ٢٠ ، وجاءت هذه اللفظة في المنتقى ، والمستدرك للحاكم : (النفاق) وهو تصحيف. ـ