فلما حفرها عبد المطلب دلّه الإله عليها وخصّه بها ، زاده الله بها شرفا وحظّا في قومه ، وعطّلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت ، فأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها بمكانها من البيت وانها سقيا الله ـ عزّ وجلّ ـ لاسماعيل ابن خليله ابراهيم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.
وكان أول ما ابتدئ به عبد المطلب من أمرها وهو نائم في الحجر كما حدّثني يزيد بن أبي حبيب المصري ، عن [مرثد](١) بن عبد الله اليزني ، عن عبد الله بن زرير الغافقي ، قال : إنّه سمع علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يحدّث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها ، قال : قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت ، فقال : احفر طيبة. فقلت : وما طيبة؟ ثم ذهب عني ، فرجعت إلى مضجعي ، فنمت الغد ، فجاءني ، فقال : احفر برّة. قلت : وما برّة؟ ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت ، فجاءني ، فقال : احفر زمزم. قال : قلت : وما زمزم؟ قال : لا تنزف ولا تذمّ ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدم ، عند نقرة الغراب الأعصم (٢) ، عند قرية النّمل. قال : فلما تبيّن له شأنها ودلّ على موضعها ، وعرف أنه صدق ، غدا بمعوله ، ومعه الحارث بن عبد المطلب ، ليس معه ولد غيره ، فلما بدا لعبد المطلب الطّوي كبّر ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته قاموا ، وقالوا : يا عبد المطلب ميراثنا من أبينا اسماعيل ، وإنّ لنا فيها شركا فأشركنا معك فيها. قال [ما أنا بفاعل](٣) إنّ هذا أمر خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم. قالوا : فأنصفنا فانّا غير تاركيك حتى نحاكمك
__________________
(١) في الأصل (يزيد) وهو تصحيف.
(٢) الأعصم من الغربان : الذي في جناحيه بياض ، وقيل : غير ذلك أنظر الروض الأنف ٢ / ١١٤.
(٣) في الأصل (قالوا : فأما نعالج) ، والتصويب من سيرة ابن هشام ، وغيره. وفي مغازي ابن اسحاق (فقال : ما هي لكم).