«لأحملنك على الأدهم» (١) ، يريد القيد ، فقال على سبيل المغالطة : «ومثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب» (٢) ، وما أشبه ذلك مما لا يقصد فيه ب «مثل» إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه ، ولكنهم يعنون أن كلّ من كان مثله في الحال والصفة ، كان من مقتضى القياس وموجب العرف والعادة أن يفعل ما ذكر ، أو أن لا يفعل. ومن أجل أن كان المعنى كذلك قال : [من السريع]
ولم أقل مثلك ، أعني به |
|
سواك ، يا فردا بلا مشبه (٣) |
وكذلك حكم «غير» إذا سلك به هذا المسلك فقيل : «غيري يفعل ذاك» ، على معنى أني لا أفعله ، لا أن يومئ ب «غير» إلى إنسان فيخبر عنه بأن يفعل ، كما قال : [من البسيط] غيري بأكثر هذا النّاس ينخدع (٤) وذاك أنه معلوم أنه لم يرد أن يعرّض بواحد كان هناك فيستنقصه ويصفه بأنه مضعوف يغرّ ويخدع ، بل لم يرد إلا أن يقول : إني لست ممن ينخدع ويغترّ. وكذلك لم يرد أبو تمام بقوله : [من الوافر]
وغيري يأكل المعروف سحتا |
|
وتشحب عنده بيض الأيادي (٥) |
__________________
(١) وهو الأسود من الخيل ، اللسان / دهم / (١٢ / ٢٠٩).
(٢) البياض الذي غلب عليه السواد ، وهو من الخيل ، اللسان / شهب / (١ / ٥٠٨).
(٣) البيت للمتنبي ، وهو آخر بيت من القصيدة سالفة الذكر ، والمعنى : يريد لم أقل مثلك وهو قولي مثلك يثني الحزن أعني به سواك ، وكيف أقول هذا وأنت الذي لا مثل له في زمانه ، وإنما أردت نفسك لا غيرك. والبيت في شرح التبيان للعكبري (١ / ١٥٣) ، والإيضاح (٦٩).
(٤) البيت للمتنبي في ديوانه (٦٢) ، وهو مطلع قصيدة يمدح بها سيف الدولة الحمداني ، وتمامه :
إن قاتلوا جنوا أو حدثوا شجعوا
والبيت في شرح التبيان للعكبري (١ / ٤١٦) ، والإيضاح (٧٠) ، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١ / ٨٦) ، ونهاية الإيجاز. والشطر الثاني تعليل للحكم الذي في الشطر الأول. والمعنى : لا أعتقد في هؤلاء الناس الخير ولكن غيري ممن يجهل أمرهم يغتر بقولهم فينخدع به لأنهم إذا قاتلوا جبنوا. وانهزموا ، وإذا حدثوا أظهروا الشجاعة ، أي : أن شجاعتهم بالقول لا بالفعل ، وإذا كانوا كذلك فالجاهل يغتر بهم.
(٥) البيت في ديوانه (٨١) من قصيدة في مدح أبي عبد الله أحمد بن أبي دؤاد ويعتذر إليه ، وقبله :
وكان الشكر للكرماء خصلا |
|
وميدانا كميدان الجياد |
عليه عقدت عقديّ ولاحت |
|
مواسمه على شيمي وعادي |
وهو في الإيضاح (٧١) ، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١ / ٨٦) ، والإشارات والتنبيهات (٥١) ، والمعروف : الإحسان ، السحت : الحرام ، يشحب : من الشحوب وهو تغير اللون. والأيادي : النعم.