بسم الله الرّحمن الرّحيم
لقول في الفصل والوصل
اعلم أنّ العلم ـ بما ينبغي أن يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض ، أو ترك العطف فيها والمجيء بها منثورة ، تستأنف واحدة منها بعد أخرى ـ من أسرار البلاغة (١) ، وممّا لا يتأتّى لتمام الصواب فيه إلا الأعراب الخلّص ، وإلا قوم طبعوا على البلاغة ، وأوتوا فنّا من المعرفة في ذوق الكلام هم بها أفراد. وقد بلغ من قوة الأمر في ذلك أنهم جعلوه حدّا للبلاغة ، فقد جاء عن بعضهم أنه سئل عنها فقال : «معرفة الفصل من الوصل» ، ذاك (٢) لغموضه ودقّة مسلكه ، وأنه لا يكمل لإحراز الفضيلة فيه أحد ، إلا كمل لسائر معاني البلاغة.
واعلم أنّ سبيلنا أن ننظر إلى فائدة العطف في المفرد ، ثم نعود إلى الجملة فننظر فيها ونتعرّف حالها.
ومعلوم أنّ فائدة العطف في المفرد أن يشرك الثاني في إعراب الأول ، وأنه إذا أشركه في إعرابه فقد أشركه في حكم ذلك الإعراب ، نحو أن المعطوف على المرفوع بأنه فاعل مثله ، والمعطوف على المنصوب بأنه مفعول به أو فيه أو له شريك له في ذلك.
وإذا كان هذا أصله في المفرد ، فإنّ الجمل المعطوف بعضها على بعض على ضربين :
أحدهما : أن يكون للمعطوف عليها موضع من الإعراب ، وإذا كانت كذلك كان حكمها حكم المفرد ، إذ لا يكون للجملة موضع من الإعراب حتى تكون واقعة موقع المفرد ، وإذا كانت الجملة واقعة موقع المفرد ، كان عطف الثانية عليها جاريا مجرى عطف المفرد على المفرد ، وكان وجه الحاجة إلى «الواو» ظاهرا ، والإشراك بها
__________________
(١) قوله : بما ينبغي إلى قوله بعد أخرى : اعتراض بين اعلم أن العلم ... من أسرار البلاغة.
(٢) ذاك : المقصود منه الفصل.