ولا «الذي يسكن في محلّة كذا» ، كقولك : «هذا يسكن محلة كذا» ، وليس ذاك إلا أنّك في قولك : «هذا قدم رسولا من الحضرة» مبتدئ خبرا بأمر لم يبلغ السامع ولم يبلّغه ولم يعلمه أصلا وفي قولك : «هذا الّذي قدم رسولا» ، معلم في أمر قد بلغه أنّ هذا صاحبه ، فلم يخل إذن من الذي بدأنا به في أمر الجملة مع «الذي» ، من أنه ينبغي أن تكون جملة قد سبق من السامع علم بها فاعرفه ، فإنه من المسائل التي من جهلها جهل كثيرا من المعاني ، ودخل عليه الغلط في كثير من الأمور ، والله الموفّق للصواب.
فروق في الحال لها فضل تعلّق بالبلاغة
اعلم أنّ أوّل فرق في الحال أنها تجيء مفردا وجملة ، والقصد هاهنا إلى الجملة.
وأوّل ما ينبغي أن يضبط من أمرها أنها تجيء تارة مع «الواو» وأخرى بغير «الواو» ، فمثال مجيئها مع الواو قولك : «أتاني وعليه ثوب ديباج» ، و «رأيته وعلى كتفه سيف» ، و «لقيت الأمير والجند حواليه» ، و «جاءني زيد وهو متقلّد سيفه» ، ومثال مجيئها بغير «الواو» : «جاءني زيد يسعى غلامه بين يديه» و «أتاني عمرو يقود فرسه» ، وفي تمييز ما يقتضي «الواو» ممّا لا يقتضيه صعوبة.
والقول في ذلك أنّ الجملة إذا كانت من مبتدأ وخبر ، فالغالب عليها أن تجيء مع «الواو» كقولك : «جاءني زيد وعمرو أمامه» و «أتاني وسيفه على كتفه» : فإن كان المبتدأ من الجملة ضمير ذي الحال ، لم يصلح بغير «الواو» البتة ، وذلك كقولك : «جاءني زيد وهو راكب» و «رأيت زيدا وهو جالس» ، و «دخلت عليه وهو يملي الحديث» و «انتهيت إلى الأمير وهو يعبّئ الجيش» ، فلو تركت «الواو» في شيء من ذلك لم يصلح. فلو قلت : «جاءني زيد هو راكب» ، و «دخلت عليه هو يملي الحديث» ، لم يكن كلاما.
فإن كان الخبر في الجملة من المبتدأ والخبر ظرفا ، ثم كان قد قدّم على المبتدأ كقولنا : «عليه سيف» و «في يده سوط» ، كثر فيها أن تجيء بغير «واو». فمما جاء منه كذلك قول بشّار : [من الطويل]
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها |
|
خرجت مع البازي عليّ سواد (١) |
__________________
(١) البيت في ديوانه ، وأورده القزويني في الإيضاح (١٧٠) ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (١٣٦). أنكرتني : لم تعرف قدري ، نكرتها : كرهتها البازي : الصقر وهو يعني خروجه في سواد الليل.