واقعة من المنشئ لها ، وصادرة عن القاصد إليها. وإذا قلنا في الفعل : «إنه موضوع للخبر» ، لم يكن المعنى فيه أنه موضوع لأن يعلم به الخبر في نفسه وجنسه ، ومن أصله ، وما هو؟ ولكن المعنى أنه موضوع ، حتى إذا ضممته إلى اسم ، عقل به ومن ذلك الاسم ، الخبر ، بالمعنى الذي اشتقّ ذلك الفعل منه من مسمّى ذلك الاسم ، واقعا منك أيّها المتكلّم ، فاعرفه.
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل
[تحليلي للنظم]
اعلم أنّك لن ترى عجبا أعجب من الذي عليه الناس في أمر النظم» ، وذلك أنه ما من أحد له أدنى معرفة إلّا وهو يعلم أن هاهنا نظما أحسن من نظم ، ثم تراهم إذا أنت أردت أن تبصّرهم ذلك تسدر أعينهم (١) ، وتضلّ عنهم أفهامهم. وسبب ذلك أنهم أوّل شيء عدموا العلم به نفسه ، من حيث حسبوه شيئا غير توخّي معاني النحو ، وجعلوه يكون في الألفاظ دون المعاني. فأنت تلقي الجهد حتى تميلهم عن رأيهم ، لأنك تعالج مرضا مزمنا ، وداء متمكّنا. ثم إذا أنت قدتهم بالخزائم (٢) إلى الاعتراف بأن لا معنى له غير توخّي معاني النحو ، عرض لهم من بعد خاطر يدهشهم ، حتى يكادوا يعودون إلى رأس أمرهم. وذلك أنّهم يروننا ندّعي المزيّة والحسن لنظم كلام من غير أن يكون فيه من معاني النحو شيء يتصوّر أن يتفاضل الناس في العلم به ، ويروننا لا نستطيع أن نضع اليد من معاني النحو ووجوهه على شيء نزعم أنّ من شأن هذا أن يوجب المزيّة لكلّ كلام يكون فيه ، بل يروننا ندّعي المزيّة لكل ما ندّعيها له من معاني النحو ووجوهه وفروقه في موضع دون موضع ، وفي كلام دون كلام ، وفي الأقلّ دون الأكثر ، وفي الواحد من الألف. فإذا رأوا الأمر كذلك ، دخلتهم الشّبهة وقالوا : كيف يصير المعروف مجهولا؟ ومن أين يتصوّر أن يكون للشيء في كلام مزيّة عليه في كلام آخر ، بعد أن تكون حقيقته فيهما حقيقة واحدة؟
فإذا رأوا التنكير يكون فيما لا يحصى من المواضع ثم لا يقتضي فضلا ، ولا يوجب مزيّة ، اتّهمونا في دعوانا ما ادّعيناه لتنكير الحياة في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي
__________________
(١) سدر بصره : تحيّر.
(٢) حلق من شعر يشد بها.