ولما ذكروا معجزات الأنبياء عليهمالسلام وقالوا : إنّ الله تعالى قد جعل معجزة كلّ نبي فيما كان أغلب على الذين بعث فيهم ، وفيما كانوا يتباهون به ، وكانت عوامّهم تعظّم به خواصّهم قالوا : إنّه لما كان السّحر الغالب على قوم فرعون ، ولم يكن قد استحكم في زمان استحكامه في زمانه ، جعل تعالى معجزة موسى عليهالسلام في إبطاله وتوهينه ولمّا كان الغالب على زمان عيسى عليهالسلام الطبّ ، جعل الله تعالى معجزته في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ولما انتهوا إلى ذكر نبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم وذكر ما كان الغالب على زمانه ، لم يذكروا إلا البلاغة والبيان والتصرّف في ضروب النّظم.
وقد ذكرت في الذي تقدّم غير ما ذكرته هاهنا ، مما يدلّ على سقوط هذا القول ، وما دعاني إلى إعادة ذكره إلّا أنه ليس لتهالك النّاس في حديث «اللّفظ» ، والمحاماة على الاعتقاد الذي اعتقدوه فيه وضنّ أنفسهم به حدّ ، فأحببت لذلك أن لا أدع شيئا مما يجوز أن يتعلّق به متعلّق ، ويلجأ إليه لاجئ ، ويقع منه في نفس سامع شكّ ، إلّا استقصيت في الكشف عن بطلانه.
وهاهنا أمر عجيب ، وهو أنه معلوم لكل من نظر ، أن الألفاظ من حيث هي ألفاظ وكلم ونطق لسان ، لا تختصّ بواحد دون آخر ، وأنها إنما تختصّ إذا توخّى فيها النظم. وإذا كان كذلك ، كان من رفع «النّظم» من البين ، وجعل الإعجاز بجملته في سهولة الحروف وجريانها ، جاعلا له فيما لا يصحّ إضافته إلى الله تعالى. وكفى بهذا دليلا على عدم التوفيق ، وشدّة الضّلال عن الطريق.
فصل
[في ختام كتابه دلائل الإعجاز يصف به عمله]
قد بلغنا في مداواة النّاس من دائهم ، وعلاج الفساد الذي عرض في آرائهم كلّ مبلغ ، وانتهينا إلى كلّ غاية ، وأخذنا بهم عن المجاهل التي كانوا يتعسّفون فيها إلى السّنن اللّاحب ، ونقلناهم عن الآجن المطروق إلى النّمير الذي يشفي غليل الشّارب ، ولم ندع لباطلهم عرقا ينبض إلا كويناه ، ولا للخلاف لسانا ينطق إلّا أخرسناه ، ولم نترك غطاء كان على بصر ذي عقل إلّا حسرناه ، فيا أيها السامع لما قلناه ، والناظر فيما كتبناه ، والمتصفّح لما دوّنّاه ، إن كنت سمعت سماع صادق الرّغبة في أن تكون في أمرك على بصيرة ، ونظرت نظر تامّ العناية في أن يورد ويصدر عن معرفة ، وتصفّحت