فإنّ ذلك من أجل أنه لا يؤتى بالاسم معرّى من العوامل إلّا لحديث
قد نوي إسناده إليه. وإذا كان كذلك ، فإذا قلت : «عبد الله» ، فقد أشعرت قلبه بذلك
أنك قد أردت الحديث عنه ، فإذا جئت بالحديث فقلت مثلا : «قام» أو قلت : «خرج» ، أو
قلت : «قدم» فقد علم ما جئت به وقد وطّأت له وقدّمت الإعلام فيه ، فدخل على القلب
دخول المأنوس به ، وقبله قبول المهيّئ له المطمئنّ إليه ، وذلك لا محالة أشدّ
لثبوته ، وأنفى للشبهة ، وأمنع للشك ، وأدخل في التحقيق.
وجملة الأمر
أنّه ليس إعلامك الشيء بغتة غفلا ، مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له ،
لأنّ ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والإحكام. ومن هاهنا قالوا : إنّ
الشيء إذا أضمر ثم فسّر ، كان ذلك أفخم له من أن يذكر من غير تقدمة إضمار.
ويدلّ على صحة
ما قالوه أنّا نعلم ضرورة في قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى
الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦] ، فخامة وشرفا وروعة ، لا نجد منها شيئا في قولنا : «فإن
الأبصار لا تعمى» ، وكذلك السبيل أبدا في كل كلام كان فيه ضمير قصّة. فقوله تعالى
: (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْكافِرُونَ) [المؤمنون : ١١٧] ، يفيد من القوة في نفي الفلاح عن الكافرين ، ما لو قيل :
«إن الكافرين لا يفلحون» ، لم يستفد ذلك. ولم يكن ذلك كذلك إلّا لأنك تعلمه إيّاه
من بعد تقدمة وتنبيه ، أنت به في حكم من بدأ وأعاد ووطّد ، ثم بنى ولوّح ثم صرّح.
ولا يخفى مكان المزيّة فيما طريقه هذا الطريق.
ويشهد لما قلنا
من أنّ تقديم المحدّث عنه يقتضي تأكيد الخبر وتحقيقه له ، أنّا إذا تأمّلنا وجدنا
هذا الضرب من الكلام يجيء فيما سبق فيه إنكار من منكر ، نحو أن يقول الرجل : «ليس
لي علم بالذي تقول» ، فتقول له : «أنت تعلم أن الأمر على ما أقول ، ولكنّك تميل
إلى خصمي» ، وكقول الناس : «هو يعلم ذاك وإن أنكر ، وهو يعلم الكذب فيما قال وإن
حلف عليه» ، وكقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى
اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران : ٧٥] ، فهذا من أبين شيء. وذاك أن الكاذب ، لا سيما في الدين ،
لا يعترف بأنه كاذب ، وإذا لم يعترف بأنه كاذب ، كان أبعد من ذلك أن يعترف بالعلم
بأنّه كاذب.
أو يجيء فيما اعترض فيه شكّ ، نحو أن يقول الرجل : «كأنك لا
تعلم ما صنع فلان ولم يبلغك» ، فيقول : «أنا أعلم ، ولكنّي أداريه».
__________________