كمن يوهم أنّه لا يعلم بالحقيقة أن الفعل كائن ، وإذا قلت : «أأنت تفعل؟» ، كان المعنى على أنك تريد أن تقرّره بأنه الفاعل ، وكان أمر الفعل في وجوده ظاهرا ، وبحيث لا يحتاج إلى الإقرار بأنه كائن ، وإن أردت ب «تفعل» المستقبل ، كان المعنى إذا بدأت بالفعل على أنك تعمد بالإنكار إلى الفعل نفسه ، وتزعم أنه لا يكون ، أو أنه لا ينبغي أن يكون ، فمثال الأول : [من الطويل]
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال (١)؟ |
فهذا تكذيب منه لإنسان تهدّده بالقتل ، وإنكار أن يقدر على ذلك ويستطيعه. ومثله أن يطمع طامع في أمر لا يكون مثله ، فتجهّله في طمعه فتقول : «أيرضى عنك فلان وأنت مقيم على ما يكره؟ أتجد عنده ما تحبّ وقد فعلت وصنعت؟» ، وعلى ذلك قوله تعالى : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) [هود : ٢٨].
ومثال الثاني ، قولك لرجل يركب الخطر : «أتخرج في هذا الوقت؟ أتذهب في غير الطريق؟ أتغرّر بنفسك؟» ، وقولك للرجل يضيع الحقّ : «أتنسى قديم إحسان فلان؟ أتترك صحبته وتتغير عن حالك معه لأن تغيّر الزمان؟» كما قال : [من الطويل]
أأترك أن قلّت دراهم خالد |
|
زيارته؟ إنّي إذا للئيم (٢) |
وجملة الأمر أنّك تنحو بالإنكار نحو الفعل ، فإن بدأت بالاسم فقلت : «أأنت تفعل؟» أو قلت : «أهو يفعل؟» ، كنت وجهت الإنكار إلى نفس المذكور ، وأبيت أن تكون بموضع أن يجيء منه الفعل وممّن يجيء منه ، وأن يكون بتلك المثابة.
تفسير ذلك : أنك إذا قلت : «أأنت تمنعني؟» ، «أأنت تأخذ على يدي؟»
__________________
(١) البيت لامرئ القيس في ديوانه (١٢٥) ، وهو من قصيدة قرينة معلقته في الجودة ، وقبله :
يغطّ غطيط البكر شد خناقه |
|
ليقتلني والمرء ليس بقتال |
والبيت في مفتاح العلوم (٤٦١) تحقيق د. عبد الحميد هنداوي. وأورده القزويني في الإيضاح (١٦٩ ، ٢٠٨) ، والطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٠) تحقيق د. هنداوي ، والمشرفي : السيد المنسوب إلى مشارف الشام ، وهو قرى للعرب تدنو من بلاد الروم. ومسنونة زرق : مشاقص محدودة بالسن ، أو هي نصال الرماح ، قال أبو عبيد البكري ، ومسنونة يعني سهاما محددة الأزجة. وزرق : صافية مجلوة. أغوال : همرجة (التباس واختلاف) من همرجة الجن ، وإنما أراد التهويل قال المبرد : لم يخبر صادق أنه رأى الغول.
(٢) البيت في الإيضاح (١٤١) ، والأغاني لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير (٢٤ / ٢١٢) ، وبعده :
فليت بثوبيه لنا كان خالد |
|
وكان لبكر بالثراء تميم |
فيصبح فينا سابق متمهل |
|
ويصبح في بكر أغم بهيم |