صرت كأنك قلت : إن غيرك الذي يستطيع منعي والأخذ على يدي ، ولست بذاك ، ولقد وضعت نفسك في غير موضعك ، هذا ، إذا جعلته لا يكون منه الفعل للعجز ، ولأنّه ليس في وسعه.
وقد يكون أن تجعله لا يجيء منه ، لأنه لا يختاره ولا يرتضيه ، وأنّ نفسه نفس تأبى مثله وتكرهه. ومثاله أن تقول : «أهو يسأل فلانا؟ هو أرفع همة من ذلك» ، «أهو يمنع الناس حقوقهم؟ هو أكرم من ذاك».
وقد يكون أن تجعله لا يفعله لصغر قدره وقصر همته ، وأن نفسه نفس لا تسمو. وذلك قولك : «أهو يسمح بمثل هذا؟ أهو يرتاح للجميل؟ هو أقصر همّة من ذلك ، وأقل رغبة في الخير مما تظنّ».
وجملة الأمر أن تقديم الاسم يقتضي أنك عمدت بالإنكار إلى ذات من قيل «إنه يفعل» أو قال هو «إني أفعل» ، وأردت ما تريده إذا قلت : «ليس هو بالذي يفعل ، وليس مثله يفعل» ، ولا يكون هذا المعنى إذا بدأت بالفعل فقلت : «أتفعل؟». ألا ترى أن من المحال أن تزعم أن المعنى في قول الرجل لصاحبه : «أتخرج في هذا الوقت؟ أتغرّر بنفسك؟ أتمضي في غير الطريق؟» ، أنه أنكر أن يكون بمثابة من يفعل ذلك ، وبموضع من يجيء منه ذاك ، لأن العلم محيط بأن الناس لا يريدونه ، وأنه لا يليق بالحال التي يستعمل فيها هذا الكلام. وكذلك محال أن يكون المعنى في قوله جل وعلا : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) [هود : ٢٨] ، أنّا لسنا بمثابة من يجيء منه هذا الإلزام ، وأن غيرنا من يفعله ، جلّ الله تعالى.
وقد يتوهّم المتوهّم في الشيء من ذلك أنّه يحتمل ، فإذا نظر لم يحتمل ، فمن ذلك قوله :
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي
وقد يظنّ الظانّ أنه يجوز أن يكون في معنى أنّه ليس بالذي يجيء منه أن يقتل مثلي ، ويتعلّق بأنه قال قبل : [من الطويل]
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه |
|
ليقتلني والمرء ليس بقتّال |
ولكنه إذا نظر علم أنّه لا يجوز ، وذاك لأنه قال : «والمشرفيّ مضاجعي» فذكر ما يكون منعا من الفعل ، ومحال أن يقول : «هو ممن لا يجيء منه الفعل» ، ثم يقول : «إنّي أمنعه» ، لأن المنع يتصوّر فيمن يجيء منه الفعل ، ومع من يصحّ منه ، لا من هو منه محال ، ومن هو نفسه عنه عاجز ، فاعرفه.