والذي يوجبه التأمل أن يردّ إلى الأصل الذي ذكره الجاحظ : من أنّ سائلا سأل عن قول قيس بن خارجة : «عندي قرى كلّ نازل ، ورضى كلّ ساخط ، وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب ، آمر فيها بالتواصل ، وأنهى فيها من التقاطع» ، فقال : أليس الأمر بالصّلة هو النهي عن التقاطع؟ قال فقال أبو يعقوب : أما علمت أن الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والتكشيف» ، وذكرت هناك أن هذا الذي ذكر ، من أن للتصريح عملا لا يكون مثل ذلك العمل للكناية ، كان لإعادة اللفظ في قوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥] ، وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ـ ٢] ، عمل لولاها لم يكن. وإذا كان هذا ثابتا معلوما ، فهو حكم مسألتنا.
ومن البيّن الجليّ في هذا المعنى وهو كبيت ابن الروميّ سواء ، لأنه تشبيه مثله بيت الحماسة : [من الهزج]
شددنا شدّة اللّيث |
|
غدا واللّيث غضبان (١) |
ومن الباب قول النابغة : [من الرجز]
نفس عصام سوّدت عصاما |
|
وعلّمته الكرّ والإقداما (٢) |
لا يخفى على من له ذوق حسن هذا الإظهار ، وأن له موقعا في النفس ، وباعثا للأريحية ، لا يكون إذا قيل : «نفس عصام سودته» شيء منه البتّة.
«تم الكتاب»
«في أواسط شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وخمسمائة غفر الله لكاتبه ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات برحمته إنه أرحم الراحمين وخير الغافرين»
__________________
(١) للفند الزماني (شرح حماسة أبي تمام للتبريزي ١ / ١٣). وله رواية أخرى «مشينا مشية الليث».
(٢) البيت في ديوانه (٦٩) في المدائح والاعتذاريات وهو أول بيتين مفردين في الديوان وثانية :
وصيرته ملكا هماما |
|
حتى علا وجاوز الأقواما |
نفس عصام : نفس شرفت بذاتها فنالت العلى بكدها واجتهادها. الكر : القتال والمواجهة والإقدام.