والأمر كما قال الصاحب ، والسبب في ذلك أنك إذا حدّثت عن اسم مضاف ، ثم أردت أن تذكر المضاف إليه ، فإن البلاغة تقتضي أن تذكره باسمه الظاهر ولا تضمره.
تفسير هذا أنّ الذي هو الحسن الجميل أن تقول : «جاءني غلام زيد وزيد» ، ويقبح أن تقول : «جاءني غلام زيد وهو» ، ومن الشاهد في ذلك قول دعبل : [من البسيط]
أضياف عمران في خصب وفي سعة |
|
وفي حباء وخير غير ممنوع |
وضيف عمرو وعمرو يسهران معا ، |
|
عمرو لبطنته والضّيف للجوع (١) |
وقول الآخر : [من الطويل]
وإن طرّة راقتك فانظر ، فربّما |
|
أمر مذاق العود والعود أخضر (٢) |
وقول المتنبي
بمن نضرب الأمثال أم من نقيسه |
|
إليك ، وأهل الدّهر دونك والدّهر (٣) |
ليس بخفيّ على من له ذوق أنه لو أتى موضع الظّاهر في ذلك كله بالضمير فقيل : «وضيف عمرو وهو يسهران معا» ، و «ربّما أمرّ مذاق العود وهو أخضر» ، و «أهل الدهر دونك وهو» ، لعدم حسن ومزيّة لا خفاء بأمرهما ، وليس لأن الشعر ينكسر ، ولكن تنكره النفس.
وقد يرى في بادئ الرأي أن ذلك من أجل اللّبس ، وأنك إذا قلت : «جاءني غلام زيد وهو» ، كان الذي يقع في نفس السامع أن الضمير للغلام ، وأنك على أن تجيء له بخبر ، إلّا أنه لا يستمرّ ، من حيث أنّا نقول : «جاءني غلمان زيد وهو» ، فتجد الاستنكار ونبوّ النفس ، مع أن لا لبس مثل الذي وجدناه. وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون السبب غير ذلك.
__________________
(١) البيتان في الكامل للمبرد (٣ / ٤) وهما منسوبان لدعبل.
(٢) البيت بلا نسبة في أسرار البلاغة (١١٨) ، وطرّة الجارية : أن يقطع لها في مقدم ناصيتها كالعلم أو كالطرة تحت التاج ، تتجمل به.
(٣) البيت في ديوانه (١ / ١٠٨) وهو آخر بيت في قصيدة يمدح بها عبد الله بن يحيى البحتري ، ومطلعها :
أريقك أم ماء الغمامة أم خمر |
|
بقي برود وهو في كبدي جمر |
أذا الغصن أم ذا الدعص أم أنت فتنة |
|
وذيا الذي قلته البرق أم ثغر |