وجوده ، وأنه قد كان منه ، يبيّن ذلك أنك تقول : «أمرت زيدا بأن يخرج غدا» ، ولا تقول : «أمرته بخروجه غدا».
ومما فيه خطأ هو في غاية الخفاء قوله : [من البسيط]
ولا تشكّ إلى خلق فتشمته |
|
شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم (١) |
وذلك أنك إذا قلت : «لا تضجر ضجر زيد» ، كنت قد جعلت زيدا يضجر ضربا من الضّجر ، مثل أن تجعله يفرط فيه أو يسرع إليه. هذا هو موجب العرف. ثم إن لم تعتبر خصوص وصف ، فلا أقلّ من أن تجعل الضّجر على الجملة من عادته ، وأن تجعله قد كان منه. وإذا كان كذلك ، اقتضى قوله :
شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم
أن يكون هاهنا «جريح» ، قد عرف من حاله أن يكون له «شكوى إلى الغربان والرخم» ، وذلك محال. وإنما العبارة الصحيحة في هذا أن يقال : «لا تشكّ إلى خلق ، فإنك إن فعلت كان مثل ذلك أن تصوّر في وهمك أن بعيرا دبرا كشف عن جرحه ، ثم شكاه إلى الغربان والرّخم».
ومن ذلك أنك ترى من العلماء من قد تأوّل في الشيء تأويلا وقضى فيه بأمر ، فتعتقده اتّباعا له ، ولا ترتاب أنه على ما قضى وتأوّل ، وتبقى على ذلك الاعتقاد الزّمان الطويل ، ثم يلوح لك ما تعلم به أن الأمر على خلاف ما قدّر. ومثال ذلك أن أبا القاسم الآمديّ ، ذكر بيت البحتري : [من البسيط]
فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق |
|
وحاك ما حاك من وشي وديباج (٢) |
ثم قال (٣) : «صوغ الغيث وحوكه للنبات ليس باستعارة ، بل هو حقيقة ، ولذلك لا يقال : «هو صائغ» ولا «كأنه صائغ» ، وكذلك لا يقال : «هو حائك»
__________________
(١) البيت لأبي الطيب المتنبي في ديوانه (٢ / ٢٦٢) من قصيدة قالها بالكوفة يرثي أبا شجاع فاتك ويذكر مسيره من مصر. ومطلعها :
حكام نحن نساري النجم في الظلم |
|
وما سراه على خف ولا قدم |
ولا يحس بأجفان يحس بها |
|
فقد الرقاد غريب بات لم ينم |
تشك : أي تتشكى. الرخم : اسم طائر.
(٢) الديوان (١ / ٣٨٧) يمدح إسحاق بن كنداج.
(٣) أي الآمدي صاحب كتاب الموازنة (١ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨) طبعة دار المعارف.