تخصيص ولا توضيح ، ولكن يؤتى بها مؤكّدة كقولهم : «أمس الدّابر» وكقوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣] ، وصفة يراد بها المدح والثناء ، كالصفات الجارية على اسم الله تعالى جدّه؟
وهل عرفتم الفرق بين الصفة والخبر ، وبين كل واحد منهما وبين الحال؟ وهل عرفتم أن هذه الثلاثة تتفق في أن كافّتها لثبوت المعنى للشيء ، ثم تختلف في كيفية ذلك الثبوت؟.
وهكذا ينبغي أن تعرض عليهم الأبواب كلّها واحدا واحدا ، ويسألوا عنها بابا بابا ، ثم يقال لهم : ليس إلّا أحد أمرين :
إمّا أن تقتحموا التي لا يرضاها العاقل ، فتنكروا أن يكون بكم حاجة في كتاب الله تعالى ، وفي خبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي معرفة الكلام جملة ، إلى شيء من ذلك ، وتزعموا أنّكم إذا عرفتم مثلا أنّ الفاعل رفع ، لم يبق عليكم في باب الفاعل شيء تحتاجون إلى معرفته. وإذا نظرتم إلى قولنا : «زيد منطلق» ، لم تحتاجوا من بعده إلى شيء تعلمونه في الابتداء والخبر ، وحتّى تزعموا مثلا أنكم لا تحتاجون في أن تعرفوا وجه الرفع في (الصَّابِئُونَ) من سورة المائدة : [٦٩] ، إلى ما قاله العلماء فيه ، وإلى استشهادهم فيه بقول الشاعر : [من الوافر]
وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (١) |
وحتى كأنّ المشكل على الجميع غير مشكل عندكم ، وحتّى كأنكم قد أوتيتم أن تستنبطوا من المسألة الواحدة من كل باب مسائله كلّها ، فتخرجوا إلى فنّ من التجاهل لا يبقى معه كلام.
وإمّا أن تعلموا أنك قد أخطأتم حين أصغرتم أمر هذا العلم ، وظننتم ما ظننتم فيه ، فترجعوا إلى الحق وتسلّموا الفضل لأهله ، وتدعوا الذي يزري بكم ، ويفتح باب العيب عليكم ، ويطيل لسان القادح فيكم ، وبالله التوفيق.
هذا ، ولو أن هؤلاء القوم ؛ إذ تركوا هذا الشأن تركوه جملة ، وإذ زعموا أن قدر المفتقر إليه القليل منه ، اقتصروا على ذلك القليل ، فلم يأخذوا أنفسهم بالفتوى فيه ، والتصرّف فيما لم يتعلّموا منه ، ولم يخوضوا في التفسير ، ولم يتعاطوا التأويل ، لكان
__________________
(١) البيت لبشر بن أبي خازم في ديوانه ، والإنصاف (١ / ١٩٠) ، وسيبويه (١ / ٢٩٠) ، ومعاني القرآن للفراء (١ / ٣١١) ، والخزانة (٤ / ٣١٥) ، وشرح التصريح (١ / ٢٢٨) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٢٧١) ، وشرح المفصل (٨ / ٦٩) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٥٤) ..