فقلت له لمّا تمطّى بصلبه |
|
وأردف أعجازا وناء بكلكل (١) |
والعجب من أنّهم لم ينظروا فيعلموا أنه لو كان منشد الشّعر «محتذيا» ، لكان يكون قائل شعر ، كما أن الذي يحذو النّعل بالنعل يكون قاطع نعل.
وهذا تقرير يصلح لأن يحفظ للمناظرة
ينبغي أن يقال لمن يزعم أن المنشد إذا أنشد شعر امرئ القيس ، كان قد أتى بمثله على سبيل «الاحتذاء» : أخبرنا عنك؟ لما ذا زعمت أنّ المنشد قد أتى بمثل ما قاله امرؤ القيس؟ ألأنه نطق بأنفس الألفاظ التي نطق بها ، أم لأنه راعى «النّسق» الذي راعاه في النّطق بها؟.
فإن قلت : «إنّ ذلك لأنه نطق بأنفس الألفاظ التي نطق بها» ، أحلت ، لأنه إنما يصحّ أن يقال في الثاني أنه أتى بمثل ما أتى بمثل ما أتى به الأوّل ، إذا كان الأوّل قد سبق إلى شيء فأحدثه ابتداء ، وذلك في الألفاظ محال ، إذ ليس يمكن أن يقال : إنه لم ينطق بهذه الألفاظ التي هي في قوله :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (٢)
قبل امرئ القيس أحد.
وإن قلت : إنّ ذلك لأنه قد راعى في نطقه بهذه الألفاظ «النّسق» الذي راعاه امرؤ القيس.
قيل : إن كنت لهذا قضيت في المنشد أنّه قد أتى بمثل شعره ، فأخبرنا عنك؟ إذا قلت : «إن التّحدي وقع في القرآن إلى أن يؤتى بمثله على جهة الابتداء» ، ما تعني به؟ أتعني أنه يأتي في ألفاظ غير ألفاظ القرآن ، بمثل الترتيب والنسق الذي تراه في ألفاظ القرآن؟
فإن قال : ذلك أعني.
قيل له : أعلمت أنّه لا يكون الإتيان بالأشياء بعضها في أثر بعض على التوالي
__________________
(١) البيت في ديوانه (ص ١١٧) ، وجاءت بلفظ «بجوزه» بدلا من «بصلبه» ، والبيت في الإيضاح (ص ٢٦٥) ، والبيتان في المعاني والبيان للطيبي (ص ٣٢٠) ، وتمطى بصلبه : تمدد بظهره ويروى بجوزه أي بجسده. وأردف أعجازا : تابع أواخره بأوائله. وناء بكلكل : ناء : بمعنى حط وبمعنى بعد والأولى أولى بالمقام أي : حط بصدره.
(٢) صدر بيت لامرئ القيس من معلقته المشهورة وسبق تخريجه.