حتى أتى على آخرها ، فلما بلغ مديح رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
إنّ الرّسول لسيف يستضاء به |
|
مهنّد من سيوف الله مسلول |
في فتية من قريش قال قائل |
|
ببطن مكّة ، لمّا أسلموا : زولوا |
زالوا ، فما زال أنكاس ولا كشف |
|
عند اللقاء ، ولا ميل معازيل |
لا يقع الطّعن إلّا في نحورهم |
|
وما بهم عن حياض الموت تهليل |
شمّ العرانين أبطال ، لبوسهم |
|
من نسج داود في الهيجا ، سرابيل (١) |
أشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الحلق أن اسمعوا. قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكون من أصحابه مكان المائدة من القوم ، يتحلّقون حلقة دون حلقة ، فيلتفت إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.
والأخبار فيما يشبه هذا كثيرة ، والأثر به مستفيض.
وإن زعم أنه ذمّ الشعر من حيث هو موزون مقفّى ، حتى كأنّ الوزن عيب ، وحتى كأن الكلام إذا نظم نظم الشعر ، اتّضع في نفسه ، وتغيرت حاله ، فقد أبعد ، وقال قولا لا يعرف له معنى ، وخالف العلماء في قولهم : «إنّما الشّعر كلام فحسنه حسن ، وقبيحه قبيح» (٢) ، وقد روي ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم مرفوعا أيضا.
فإن زعم أنه إنّما كره الوزن ، لأنه سبب ، لأن يتغنّى في الشعر ويتلهّى به ، فإنّا إذا كنا لم ندعه إلى الشعر من أجل ذلك ، وإنما دعوناه إلى اللّفظ الجزل ، والقول الفصل ، والمنطق الحسن ، والكلام البيّن ، وإلى حسن التمثيل والاستعارة ، وإلى التلويح والإشارة ، وإلى صنعة تعمد إلى المعنى الخسيس فتشرّفه ، وإلى الضّئيل فتفخّمه ، وإلى النّازل فترفعه ، وإلى الخامل فتنوّه به ، وإلى العاطل (٣) فتحلّيه ، وإلى المشكل فتجلّيه ، فلا متعلّق له علينا بما ذكر ، ولا ضرر علينا فيما أنكر ، فليقل في الوزن ما شاء ،
__________________
(١) انظر السابق ، ومهنّد : أي مطبوع في الهند ، ومسلول : أي مخرج من غمده. زولوا : تحوّلوا وانتقلوا عن مكة إلى المدينة. أنكاس : جمع نكس وهو الرجل الضعيف المهين. كشف : جمع أكشف وهو الشجاع الذي لا ينهزم في الحرب. ميل : جمع أميل ، الذي لا سيف له ، والذي لا يحسن الركوب. معازيل : الذين لا سلاح معهم ، والمفرد معزال. شمّ : جمع أشم ، الذي في قصبة أنفه علو مع استواء أعلاه علامة السيادة والكرم. عرانين : جمع عرنين وهو الأنف تحت مجتمع الحاجبين ، وقيل : ما صلب من عظمه. اللبوس : ما يلبس من السلاح. نسج داود : الدروع. الهيجا : الحرب. انظر الإسعاد (شرح بانت سعاد) (١١٣ ، ١١٤).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٥ / ٦٨) بنحوه.
(٣) عطلت المرأة : تعطل عطلا وعطولا وتعطلت إذا لم يكن عليها حلي ، ولم تلبس الزينة. اه اللسان / عطل / (١١ / ٤٥٣).