ثلاثة آلهة» ، كنا قد نفينا الوجود عن الآلهة ، كما نفيناه في «لا إله إلا الله» ، و (ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٦٢] وإذا زعموا أن التقدير «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة» ، كانوا قد نفوا أن تكون عدة الآلهة ثلاثة ، ولم ينفوا وجود الآلهة.
فإن قيل : فإنه يلزم على تقديرك الفساد من وجه آخر ، وذاك أنه يجوز إذا قلت : «ليس لنا أمراء ثلاثة» ، أن يكون المعنى : ليس لنا أمراء ثلاثة ، ولكن لنا أميران اثنان. وإذا كان كذلك : كان تقديرك وتقديرهم جميعا خطأ.
قيل : إنّ هاهنا أمرا قد أغفلته ، وهو أن قولهم «آلهتنا» ، يوجب ثبوت آلهة ، جلّ الله وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا. وقولنا : «ليس لنا آلهة ثلاثة» ، لا يوجب ثبوت اثنين البتّة.
فإن قلت : إن كان لا يوجبه ، فإنه لا ينفيه.
قيل : ينفيه ما بعده من قوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) [النساء : ١٧١].
فإن قيل : فإنه كما ينفي الإلهين ، كذلك ينفي الآلهة. وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون تقديرهم صحيحا كتقديرك.
قيل : هو كما قلت ينفي الآلهة ، ولكنهم إذا زعموا أن التقدير : «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة» ، وكان ذلك ـ والعياذ بالله من الشّرك ـ يقتضي إثبات آلهة ، كانوا قد دفعوا هذا النّفي وخالفوه وأخرجوه إلى المناقضة. فإذا كان كذلك ، كان محالا أن يكون للصّحّة سبيل إلى ما قالوه. وليس كذلك الحال فيما قدّرناه ، لأننا لم نقدّر شيئا يقتضي إثبات إليهن ، تعالى الله ، حتى يكون حالنا حال من يدفع ما يوجبه هذا الكلام من نفيهما.
يبيّن لك ذلك : أنّه يصحّ لنا أن نتبع ما قدّرناه نفي الاثنين ، ولا يصحّ لهم.
تفسير ذلك : أنه يصح أن تقول : «ولا تقولوا لنا آلهة ثلاثة ولا إلهان» ، لأن ذلك يجري مجرى أن تقول : «ليس لنا آلهة ثلاثة ولا إلهان» ، وهذا صحيح ولا يصحّ لهم أن يقولوا : «ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة ولا إلهان» ، لأنّ ذلك يجري مجرى أن يقولوا : «ولا تقولوا آلهتنا إلهان». وذلك فاسد ، فاعرفه وأحسن تأمّله.
ثم إن هاهنا طريقا آخر ، وهو أن تقدّر : «ولا تقولوا الله والمسيح وأمّه ثلاثة» ، أي نعبدهما كما نعبد الله.