إنّ السّماحة والمروءة والنّدى |
|
في قبّة ضربت على ابن الحشرج (١) |
أراد ، كما لا يخفى ، أن يثبت هذه المعاني والأوصاف خلالا للممدوح وضرائب (٢) ، فترك أن يصرّح فيقول : «إن السماحة والمروءة والندى لمجموعة في ابن الحشرج ، أو مقصورة عليه ، أو مختصّة به» ، وما شاكل ذلك مما هو صريح في إثبات الأوصاف للمذكورين بها ، وعدل إلى ما ترى من الكناية والتلويح فيجعل كونها في القبّة المضروبة عليه ، عبارة عن كونها فيه ، وإشارة إليه ، فخرج كلامه بذلك إلى ما خرج إليه من الجزالة ، وظهر فيه ما أنت ترى من الفخامة ، ولو أنه أسقط هذه الواسطة من البين ، لما كان إلا كلاما غفلا ، وحديثا ساذجا.
فهذه الصّنعة في طريق الإثبات ، هي نظير الصّنعة في المعاني ، إذا جاءت كنايات عن معان أخر ، نحو قوله : [من الوافر]
وما يك فيّ من عيب فإنّي |
|
جبان الكلب مهزول الفصيل (٣) |
فكما أنه إنما كان من فاخر الشعر ، ومما يقع في الاختيار (٤) ، لأجل أنّه أراد أن يذكر نفسه بالقرى والضيافة ، فكنّى من ذلك بجبن الكلب وهزال الفصيل ، وترك أن يصرّح فيقول : «قد عرف أن جنابي مألوف ، وكلبي مؤدّب لا يهرّ في وجوه من يغشاني من الأضياف ، وأني أنحر المتالي (٥) من إبلي وأدع فصالها هزلى» كذلك ، إنّما راقك بيت زياد ، لأنّه كنى عن إثباته السماحة والمروءة والندى كائنة في الممدوح ، بجعلها كائنة في القبّة المضروبة عليه.
__________________
(١) البيت لزياد الأعجم من قصيدة له في المدح ، وهو كناية عن وصف ممدوحه بالتمكين في صفات المروءة والسماحة والندى ، والبيت أورده القزويني في الإيضاح (٢٩٠) ، وعزاه لأبي زياد الأعجم ، والسكاكي في المفتاح (٥١٧) ط ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، وفي الطراز (١ / ٤٢٢) ، ونهاية الإيجاز (٢٧١) ، والإشارات (٢٤٥) ، والمصباح (١٥٢). ابن الحشرج : من ولاة بني أمية ، اسمه عبد الله.
(٢) ضرائب : الضريبة الخليفة يقال إنه لكريم الضرائب. اه اللسان / ضرب / (١ / ٤٥٩).
(٣) البيت أورده القزويني في الإيضاح (٢٨٨) ، وهو لابن هرمة ، وهو شاعر مخضرمي الدولتين ، توفي سنة (١٤٥ ه) ، والبيت غير منسوب في الحيوان (١ / ٣٧٧) ، والحماسة (١ / ٢٦٠) ، ومنسوب لابن هرمة في البيان والتبيين ، وفي ديوان ابن هرمة (١٩٨) ، والتبيان (٣٩) ، والطراز (١ / ٤٢٣) ، والإشارات (٢٤٢) ، وأورده الرازي في نهاية الإيجاز (٢٧١) ، وبدر الدين بن مالك في المصباح (١٥٠). الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
(٤) الاختيار : اختيار أبي تمام في حماسته.
(٥) المتالي : الأمهات إذا تلاها الأولاد. اه اللسان مادة / تلا / (١٤ / ١٠٣).