ويحدث ، بل توجبهما وتثبتهما فقط ، وتقضي بوجودهما على الإطلاق ، كذلك لا تتعرض في قولك : «زيد منطلق» لأكثر من إثباته لزيد.
وأما الفعل ، فإنه يقصد فيه إلى ذلك. فإذا قلت : «زيد ها هو ذا ينطلق» ، فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءا فجزءا ، وجعلته يزاوله ويزجّيه.
وإن شئت أن تحسّ الفرق بينهما من حيث يلطف ، فتأمل هذا البيت : [من البسيط]
لا يألف الدّرهم المضروب خرقتنا ، |
|
لكن يمرّ عليها وهو منطلق (١) |
هذا هو الحسن اللائق بالمعنى ، ولو قلته بالفعل : «لكن يمر عليها وهو ينطلق» ، لم يحسن.
وإذا أردت أن تعتبره حيث لا يخفى أنّ أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه ، فانظر إلى قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨] ، فإن أحدا لا يشك في امتناع الفعل هاهنا ، وأن قولنا : «كلبهم يبسط ذراعيه» ، لا يؤدّي الغرض. وليس ذلك إلا لأنّ الفعل يقتضي مزاولة وتجدّد الصفة في الوقت ، ويقتضي الاسم ثبوت الصّفة وحصولها من غير أن يكون هناك مزاولة وتزجية فعل ، ومعنى يحدث شيئا فشيئا. ولا فرق بين «وكلبهم باسط» ، وبين أن يقول : «وكلبهم واحد» مثلا ، في أنك لا تثبت مزاولة ، ولا تجعل الكلب يفعل شيئا ، بل تثبته بصفة هو عليها. فالغرض إذن تأدية هيئة الكلب.
ومتى اعتبرت الحال في الصّفات المشبهة وجدت الفرق ظاهرا بينا ، ولم يعترضك الشك في أنّ أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه. فإذا قلت : «زيد طويل» ، و «عمرو قصير» : لم يصلح مكانه «يطول» و «يقصر» ، وإنما تقول : «يطول» و «يقصر» ، إذا كان الحديث عن شيء يزيد وينمو كالشجر والنبات والصبيّ ونحو ذلك ، مما يتجدّد فيه الطول أو يحدث فيه القصر. فأمّا وأنت تحدّث عن هيئة ثابتة ، وعن شيء قد استقرّ طوله ، ولم يكن ثمّ تزايد وتجدد ، فلا يصلح فيه إلا الاسم.
وإذا ثبت الفرق بين الشيء والشيء في مواضع كثيرة ، وظهر الأمر ، بأن ترى أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه ، وجب أن تقضي بثبوت الفرق حيث ترى
__________________
(١) البيت للنصر بن جؤيّة في الإشارات (٦٥) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٠٧) ، وشرح الواحدي على ديوان المتنبي (١٥٧) ، والإيضاح (٩٥).