وقالت قريش بعد عودتها لمكّة : إنّ سراقة السبب في انهزام الجيش ، فوصل الخبر إلى سراقة فأقسم أنّه لا علم له بذلك ، وعند ما قصّ عليه بعضهم ما كان منه في يوم بدر أنكر كل ذلك وأقسم أنّه لم يخرج من مكّة ولم يحصل من تلك الأمور شيء أبدا ، فعلم أنّ ذلك لم يكن سراقة بن مالك (١).
ودليل الطائفة الأولى أنّ إبليس لا يستطيع أن يتمثل في سورة إنسان.
بينما ترى الطائفة الثّانية عدم وجود دليل على استحالة هذا الأمر أبدا ، وخاصّة أنّه نقل ما يشبه هذه القصّة في هجرة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مجيء ، رجل كبير على هيئة شيخ نجدي إلى دار الندوة ، وإضافة إلى أن سياق الآية وظاهر المحادثة يتلاءم مع تجسيد الشيطان.
وعلى أية حال ، فإنّ الآية تدل على أنّ الناس إذا ساروا في نهج الحق أو الباطل في الأمور والقضايا الجماعية ، فإنّ سلسلة من الإمدادات والقوى الغيبية أو القوى الشيطانية ستتحرك معهم ، وهي تظهر في مختلف الصور ، فعلى السائرين في سبيل الحق ومنهاج الله الحذر من هذا الأمر.
وتشير الآية بعدها إلى روحيّة جماعة ممن يميلون إلى الشرك في ساحة بدر ، فتقول : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ). حين تصوروا أنّهم سينتصرون مع قلّة العدد والعدّة ، أو أنّهم سينالون الشهادة والحياة الابدية في هذا المسار.
لكن هؤلاء لعدم إيمانهم وعدم معرفتهم بالإمداد الإلهي أنكروا تلك الحقائق البينة ، لأنّه كما تقول الآية المباركة : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وقد اختلف المفسّرون في المراد من المنافقين و (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ولا يستبعد أن تكون العبارتان تشير ان إلى المنافقين في المدينة ، لأنّ
__________________
(١) نقل باختصار عن مجمع البيان ونور الثقلين ، وسائر التفاسير ، ذيل الآية.