سمات اللطف الإلهي والإمداد الغيبي وتأييد الملائكة لهم ، فمن الطبيعي أن يتراجع عند ما يرى كل ذلك الدعم الرّباني والقوى الغيبة.
والثّاني قوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ).
فإنّ الجزاء الإلهي ليس أمرا يسيرا يمكنه أن يقف بوجهه ، بل إنّه هو العذاب الأليم (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).
هل جاء الشيطان عن طريق الوسوسة أو ظهر متجسدا لهم؟
جرى الكلام بين المفسّرين حول مسألة نفوذ الشيطان إلى قلوب المشركين ، وقوله لهم في ساحة معركة بدر ، وكيفية حصول ذلك ، وتتلخص جميع الآراء القديمة والحديثة في عقيدتين :
١ ـ يعتقد بعضهم أنّ هذا الأمر حصل على صورة وساوس باطنية ، فقد زين لهم بوساوس أعمالهم في عيونهم وصوّر لهم أنّهم يملكون قوّة لا تقهر ، وأغراهم وصوّر لهم أنّه هو ملجؤهم ، إلّا أنّهم بعد قتالهم الشديد للمسلمين ، والحوادث الإعجازية التي حققت النصر للمسلمين ومحت الوساوس عن قلوبهم ، أحسوا بالانكسار وأنّه لا ملجأ لهم أبدا سوى ما ينتظرهم من الجزاء الإلهي والعذاب الشديد.
٢ ـ ويرى بعضهم الآخر أنّ الشيطان تجسد لهم في صورة الإنسان ، ففي رواية أوردتها كتب الحديث كثيرا : إنّ قريشا عند ما قررت التحرك والمسير نحو بدر ، كانت تخشى الهجوم من طائفة بني كنانة لتشاجر كان بينها وبينهم ، وعند ذاك جاءهم إبليس في صورة «سراقة بن مالك» الذي كان من رؤوس بني كنانة وطمأنهم بأنّهم يوافقونهم على هذا الأمر ، وأنّهم سينتصرون ، لكنّه تراجع لما رأى نزول الملائكة ، ولاذ بالفرار وانهزم الجيش عند ما رأى ضربات المسلمين الشديدة وانهزام إبليس.