ثمّ تحكي الآية عن مقام النّبي الواقعي ورسالته ، في جملة موجزة صريحة ، فتقول على لسانه : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
* * *
ملاحظة
ألم يكن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلم الغيب؟!
يحكم بعض السطحيين لدى قراءتهم لهذه الآية ـ وبدون الأخذ بنظر الإعتبار الآيات القرآنية الأخرى ، بل حتى القرائن الموجودة في هذه الآية أيضا ـ أنّ الآية آنفة الذكر دليل على نفي علم الغيب عن الأنبياء نفيا مطلقا ... مع أنّ الآية ـ محل البحث ـ تنفي علم الغيب المستقل وبالذات عن النّبي ، كما أنّها تنفي القدرة على كل نفع وضرّ بصورة مستقلة. ونعرف أنّ كل إنسان يملك لنفسه وللآخرين النفع أو الضر.
فبناء على ذلك فإنّ هذه الجملة المتقدمة شاهد واضح على أنّ الهدف ليس هو نفي مالكية النفع والضر أو نفي علم الغيب بصورة مطلقة ، بل الهدف نفي الاستقلال ، وبتعبير آخر : إنّ النّبي لا يعرف شيئا من نفسه ، بل يعرف ما أطلعه الله عليه من أسرار غيبه ، كما تقول الآيتان (٢٦) و (٢٧) من سورة الجن (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً).
وأساسا ، فإنّ كمال مقام القيادة لا سيما إذا كان الهدف قيادة العالم بأسره ، وفي جميع المجالات الماديّة والمعنوية ، هو الاحاطة الواسعة بالكثير من المسائل الخفية عن سائر الناس ، لا المعرفة بأحكام الله وقوانينه فحسب ، بل المعرفة بأسرار عالم الوجود ، والبناء البشري ، وقسم من حوادث المستقبل والماضي ، فهذا القسم من العلم يطلعه الله على رسله ، وإذا لم يطلعهم عليه لم